أكره الحديث في «السياسة» كرهاً باتاً، وأستغرب أشد استغراب من أن كل أحاديثنا العادية تبدأ بشكل طبيعي لتنتهي بأن تأخذ لها منعطفاً سياسياً، حتى أصبحت «السياسة» جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية، تتحدث مع أحدهم عن موضوع المدارس مثلاً لتفاجأ بأن الحوار أخذ منحى سياسياً بحيث يصل في الحديث عن الأيديولوجيات والمناهج بل يتعداها ليصل إلى أيديولوجية المعلم وخلفيته السياسية.
نعم أكره الحديث في «السياسة» على الرغم من أنني إحدى المحظوظات بالحصول على دبلوم عالٍ في «التنمية السياسية»، والذي كان أحد البرامج الرائدة التي قدمها معهد البحرين للتنمية السياسية في بداية انطلاقاته وتوقف لأسباب مجهولة.
نعم أكره الحديث في «السياسة» لأن الحديث فيها عقيم، ولأن الحديث فيها يفرق ولا يجمع، ولأن الجميع أصبح «سياسياً»، أو «مسيساً»، ولكني لا أنكر بأنني أستمتع بالتحليل السياسي وأعشق الاستماع للآراء السياسية، دونما أن أتدخل أو أن يكون لي رأي فيها، لاسيما أن «السياسة» متلونة، غير مستقرة، فعدو اليوم هو صديق الغد، وما أكرهه اليوم قد أعشقه غداً..
لكن ما شدني مؤخراً هو مصطلح «غريب» استخدمه الإعلام الأمريكي مؤخراً، وهو مصطلح «التحرش»، عندما قالت أمريكا نصاً في خبر لها «تحرش الحرس الثوري الإيراني بسفن أمريكا يستمر.. 7 زوارق هجومية تعترض سفينة للبحرية الأمريكية»، للأمانة أثارني مصطلح «التحرش» الذي سرعان ما تناقلته وسائل الإعلام العربية «نصاً».
أمريكا ذكية جداً في انتقاء الألفاظ، وهي ذكية في اختيار المصطلحات التي تخدم أهدافها وأفكارها، ولا غرابة في هذا وهي تؤمن أشد الإيمان بالقاعدة التي يرددها جنرالات أمريكا، وهي «لكي تكسب الحرب أطلق عليها اسماً»!!
فعلى الرغم من أن «تشرشل» هو أكثر الزعماء اهتماماً بإطلاق أسماء على الحركات العسكرية، حتى أصبح يقال للشخص الذي يختار «اسماً مناسباً» يقال له في إشادة «يبدو هذا تشرشلياً» كدلالة على قدرته على انتقاء «لفظ واسم مناسب» إلا أن أمريكا اليوم هي الأفضل في انتقاء أسماء لكل تحركاتها العسكرية وما «عاصفة الصحراء» إلا اسم نستذكره جميعاً كشاهد على هذا.
وفي هذا الخصوص لا نبخس انتباه دول الخليج أيضاً لانتقاء أسماء وقف عندها العالم مثل «عاصفة الحزم»، و»درع الجزيرة»، التي أشاد بها القادة العسكريون الأمريكيون أنفسهم.
موضوع «التحرش» ذكرته أمريكا في الخبر والذي مفاده أن سفن الحرس الثوري «اقتربت» من سفينة أمريكية في الخليج بمسافة 90 متراً»، وعلى إثره تم عقد اجتماع مهم في «البنتاغون» للنظر في موضوع «التحرش»، ليس هذا فحسب بل وضع «البنتاغون» خطة سرية لمواجهة هذا «التحرش»!! وأبدت «ماما أمريكا» استعداداً واضحاً لمرافقة أي سفينة تريد عبور مضيق هرمز، و»الدفاع» عن أي «تحرش» ممكن أن يحصل لأي سفينة تمر بالمضيق، لكي لا يتفاقم «التحرش» لاعتداء، ويقع الفأس في الرأس.
مفردة «التحرش» لغوياً تعني «تعرض له ليثيره ويستفزه»، وهو معنى دقيق لما تقوم به «إيران» تجاه دول الخليج، فهي تتحرش بنا يومياً عبر منظومتها الإعلامية، وعبر التصريحات غير المتزنة من قياداتها والتي من شأنها زيادة التوتر في المنطقة.
التحرش السياسي مصطلح حديث في عالم السياسة، ولا نعني به مطلقاً التحرش الجنسي بالمتظاهرات أو البرلمانيات أو العاملات في السلك السياسي، كما ألمحت له بعض وسائل الإعلام العربية، بل هو مصطلح «رزين» و»دقيق» لما تقوم به «إيران» الجارة غير الصديقة في حق دول الخليج، من أجل استفزازهم وإثارتهم، وما «تحرش» خامنئي بالمملكة العربية السعودية وفي إدارتها للحج إلا «تحرش» سافل ينم عن حقد وكره دفين، وجحد بجهود السعودية في إدارة «بيوت الله، الحرمين» والتي عرفت بإدارتها لهذه الأماكن المقدسة بكل جدارة واقتدار عاماً بعد عام.