لا تزال ترن في أذني قصة رجل الأعمال الفرنسي الذي تعرض للإفلاس، فقرر إغلاق مشروعه وأخذ يبحث عن وظائف لموظفيه المقالين نتيجة إفلاسه، إلى أن وظفهم جميعاً، لا تزال هذه القصة التي مضى عليها أكثر من 15 عاماً على الأقل تثير لدي تساؤلاً مهماً، ألا وهو، ماذا لو قرر هذا الرجل أن يعود لممارسة عمله التجاري؟! هل سيهرع إليه موظفوه السابقون للالتحاق بمؤسسته مرة أخرى؟! قصة هذا الرجل انتهت بأنه أصبح وزيراً للعمل في إحدى حكومات فرنسا.
إن من أهم عناصر الولاء الوظيفي «الأمان على المستقبل»، الذي إذا شعر به الموظف سيتجاوز الولاء إلى الانتماء للمنظمة، وهو ما نجحت فيه الكثير من منظمات الأعمال اليابانية، وهو إحساس الموظف بأن المؤسسة باقية عليه، رغم التقلبات التي قد تمر بها نتيجة عوامل السوق، شريطة أن يكون مستوفياً لشروط البقاء في المؤسسه. يجب هنا أن نؤكد على وضع مهم، وهو أن بناء وتأسيس المنظمة على أساس الولاء بدون ربطه بالكفاءة، لا يمكن أن يكون ذا مغزى خصوصاً في عالم الأعمال المتقلب والمنافس.
أصحاب العقول الإدارية الناضجة قادرة على بث روح الولاء في نفوس كل العاملين معهم، ولاءً يؤدي أغراضاً متعددة في آن واحد ليحقق أهداف المنظمة، ويعزز قدراتها التنافسية وتطورها ونموها، ويدفع بالعاملين إلى بذل الجهود بمستويات تصاعدية من الكفاءة والمهارة والإبداع.
مهم كيف تبث قيادات المنظمة الولاء في العاملين «خاصة في وقت الأزمات»؟ مهم أن نؤكد هنا أنه ليس من الصعب على أية منظمة الاهتمام بعامليها وتلبية رغباتهم، بما يعزز قدراتهم الوظيفية، التي لا تتعدى المعقول مما تتطلبه سبل الاحترام والتقدير في العمل، إضافة إلى متطلبات الحياة المعيشية والميل نحو تحقيق الرفاهية المعيشية، أو حتى مستوى الكفاف المعقول لعائلة العامل أو الموظف، إضافة إلى إفساح المجال للعاملين لتطوير قابلياتهم ومكاسبهم الثقافية من خلال الدعم التدريبي والتعليمي المستمر. إن المطلع على كبرى المؤسسات العالمية واسعة الانتشار سيجد أن ما تقدمه لموظفيها ضرباً من التدليل، ولكنه عندما يطلع على حجم الإنتاج والانتشار والأرباح سيجد ما تقدمه لهم متواضعاً مقابل ذلك.
إن الولاء بالنسبة للعاملين في المنظمة هو ذلك الإحساس بالإخلاص للمكان أو لرب العمل أو لشخص المنظمة أجمع والذي يقتضي وجوب تقديم أقصى الجهد في العمل، وتنفيذ التوجيهات بأقصى ما يمكن من الإنجاز لتحقيق أهداف المنظمة ورفع مستوى قدراتها التنافسية وسمعتها مقابل الآخرين، وهو شعور نفسي داخلي تكون نتيجته عوامل عديدة أهمها درجة الانتماء التي يشعر بها الفرد باتجاه منظمته وعمله.
دعوني أطرح عليكم نفس السؤال الذي طرحته في الفقره الأولى من المقال، ماذا لو قرر رجل الأعمال الفرنسي أن يعود لممارسة عمله التجاري؟! هل سيهرع إليه موظفوه السابقون للالتحاق بمؤسسته مرة أخرى؟!