تعد روح السياسة مهمة للأفراد والجماعة، وذات أهمية قصوى للحكام ولا غنى عنها، ولابد أن يكون قادة الناس من المطلعين على الأحوال الفكرية للمواطنين. فعلى سبيل المثال لولا علم أوتو فون بسمارك بالمزاج النفسي للأفراد والشعوب لما تمكنت الجيوش الجرمانية من إقامة اتحاد ألمانيا. ويعد نيكولو دي برناردو دي ميكيافيلي من أوائل من بحثوا في روح السياسة، والقواعد التي أشار إليها لقيادة البلاد وقتها، في كتابه الأمير. والوقوف على روح السياسة يرشد ولي الأمر إلى كيفية أن يتعامل مع المشكلات التي يواجهها يومياً، ويميز فيها بين الأوقات التي يلبي فيها رغبات الشعب والأوقات التي يقاومها. فعلى سبيل المثال، إصرار الأشراف في فرنسا عام 1788 على رفض المساواة في مبدأ الضرائب أدى إلى زيادة بؤس طبقات العمال، وقد ساهم ذلك في حقد العمال على النبلاء والأشراف، مما ترتب على ذلك فتن لم تنته إلا بتداعي أركان الماضي، وقيام الثورة الفرنسية. وتعد أبرز مقومات روح السياسة: روح الأفراد، وروح الجماعات، وروح الشعوب، ودروس التاريخ. وهذه الأمور إذا كانت ليست ذات قيمة لدى المحاضرين في المدارس أو الجامعات أو حتى المتخصصين في علم السياسة، فإنها الأسس الحقيقية لعلم السياسة، فالعوامل التاريخية أو الطبيعية أو الاقتصادية أو السياسية أو غيرها، تتحول لعوامل فكرية من حيث النتيجة. فعلى سبيل المثال، جهل نابليون بونابرت - الخبير بأحوال الفرنسيين الروحية - بمزاج الروس والأسبان الفكري قاده إلى أن يشن عليهم حروباً لم تعصمه مزاياه الحربية الفائقة من الفشل فيها إزاء وطنيتهم الصادقة التي لا تقهرها قوة. وإذا كانت عوامل الإقناع مهمة، فإن التكرار ضروري لنشر الحقائق المعروفة، ويفيد جداً في حال الرغبة في نشر الحقائق الحديثة، فلا يسلم الناس للآراء لصحتها وإنما يسلمون بها عندما تستولي على حالة اللاشعور لدينا، فنابليون قال إن «التكرار مظهر البلاغة الأساسي». ولروح السياسة فائدتان: الأولى، كشف العاقبة، والثانية، نيل المقصد. وبالتالي تستطيع أن تبطل عمل مفاجآت المستقبل وتأثيرها. فعلى الرؤساء الذين يريدون قيادة المواطنين بدراية وحكمة أن يقتربوا من أفكار الجماعة، وروح الشعوب، ودروس التاريخ. ويؤكد عدم تدريس روح السياسة في الكتب المدرسية والجامعات في عالمنا العربي أن فائدة روح السياسة لا تزال خافية على المطلعين، فقد يرى البعض أن تقاليد الشعوب وإرثها ومعتقداتها باطلة، ولكن السياسي الحقيقي عليه ألا يقاومها لأنه يعلم أنه لا طائل من وراء تلك المقاومة. ستظل معرفة أساليب الحكم من أصعب المسائل في جميع الأزمنة، خاصة في ظل الاضطرابات في القطاع الاقتصادي وتأثيرها على المواطنين. وإن كانت تجعلنا تلك الاضطرابات نلجأ إلى فن السياسة، فالأولى التركيز على روح السياسة، وصدقت مقولة المفكر الفرنسي جوستاف لوبون أن «العقل يخلق العلم، والمشاعر والمعتقدات تقود التاريخ».