يجتهد المسلمون كثيراً لاستقبال شهر رمضان المبارك، ويحافظون على إقامة العبادات فيه، ويضاعفون أعمالهم الصالحة في العشر الأواخر من الشهر الكريم، ومنهم من قد ينشغل لظروف عمل أو سفر أو أي كان، عن السهر فيها والتعبد ومنهم من يفوته قيام الليل، ولا يكتب الله له كنوزها العظيمة، لانشغاله بالعديد من الظروف والأمور الخارجة عن إرادته.
الله جل جلاله يمنح عباده الكثير من الفرص التي تتضمن منازل الأجر العظيمة، بل وسخر لهم الكثير من الأيام المباركة التي تحوي غنائم لا تكون متوفرة في بقية أيام السنة، فالأيام العشر الأولى من ذي الحجة هي من الأيام التي أقسم الله عز وجل بها في القرآن الكريم، قال الله تعالى «والفجر وليال عشر»، وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام «ما العمل في أيام أفضل من هذه العشر»، قالوا: ولا الجهاد؟ قال: ولا الجهاد إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء».
وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما من أيام أعظم عند الله سبحانه ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد».
قال الحافظ ابن حجر في الفتح إن «السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج ولا يأتي ذلك في غيره».
كمسلمين، عيدنا الكبير يكون يوم عيد الأضحى، لكن كثيراً منا يجهل أن هناك يوم عيد قبله، وهو يوم عرفة، لما فيه من الفضائل والأجر العظيم، ما يجعل المسلم ينتظره ويفرح بقدومه ويحمد الله أنه بلغه إياه في صحة وعافية، قال رسول الله عليه افضل الصلاة والسلام «يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام وهي أيام أكل وشرب»، لذا على المسلم العاقل أن يجتهد في هذا اليوم المبارك ليعوض ما فاته من تقصير في أيام العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك، وعليه أن يغتنم هذا اليوم في الأعمال الصالحة وبذل الصدقات والاستغفار والتسبيح.
فهذا اليوم يجهل الكثير من المسلمين فيه أنه يوم عيد، وللأسف هناك منهم من يؤجلون أعمالهم إلى هذا اليوم فينشغلون خلاله في الأسواق والمجمعات والصالونات النسائية والرجالية، وقد غاب عنهم أنهم كما يبذلون الكثير من الجهد والوقت للاستعداد ليوم العيد فان يوم عرفة الذي يسبقه ينبغي ألا يقل أهمية عنه من ناحية الاستعداد وتسخير الوقت، وهناك أهمية لأن يدركه المرء وهو متفرغ، وقد قضى كل أعماله للعيد وأنجزها قبله، حتى يتفرغ له ولا تفوته كنوز هذا اليوم العظيم، الذي أقسم الله به في القرآن الكريم وأثنى عليها، باختصار على المسلم أن يدرك أن يومي العيد لنا كمسلمين هما يوم عرفة ويوم الأضحى.
ففي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة وأنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء؟».
إن يوم عرفة محطة دينية عظيمة لا تمر بك إلا مرة كل عام، وقد قال صلى الله عليه وسلم «من صام يوم عرفة غفر له سنتين متتابعين»، وأيضاً قال «فضل الدعاء دعاء يوم عرفة، وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له».
وعلى المسلم ألا يسقط من دعائه في هذا اليوم العظيم الدعاء للمسلمين في كافة الدول العربية والإسلامية، فما تشهده المنطقة من حولنا يستلزم علينا أن ندعو أن يحفظ الله أوطاننا ويديم علينا نعمة الأمن والأمان والاستقرار، ويرد عنا كيد الأعداء، وتدابيرهم وأن يدعو كذلك بالنصر لجميع المسلمين، وأن يبادر إلى مد جسور التواصل الطيب مع الآخرين، وأن يصفي نيته ليستقبل عيد المسلمين الكبير، أي يوم الأضحى، ويحتفي به بنفس مطمئنة غانمة بمغانم يوم عرفة العظيم، فالعيد الحقيقي هو أن تشهده وقد غفر الله لك ذنوبك وسقطت عنك خطاياك وثقلت موازينك بالحسنات والأجر.