هل تعزز الحكومات الخليجية نزعات الانقسام لضمان سيطرتها على المواطنين في مجتمعاتها؟
حاولت الكثير من الدراسات الأجنبية الإجابة على هذا التساؤل منذ سنين طويلة، ومعظمها كانت تتوصل إلى نتيجة، وهي أن الأنظمة الخليجية الحاكمة تلجأ إلى زيادة الانقسامات المجتمعية من أجل الحفاظ على سيطرتها على الشعب وضمان حكمها.
آخر هذه الدراسات دراسة أجراها باحث أمريكي ونشرت قبل يومين، وهي لا تختلف في نتائجها عن الدراسات السابقة التي أجراها الباحثون الأجانب، رغم أن الاختلاف بين نتائج هذه الدراسات يتركز في طبيعة الانقسام وأدواته، سواءً كانت عبر تشريعات أو عمليات للمأسسة. معظم الباحثين الأجانب الذين أجروا مثل هذا النوع من الدراسات، وحاولوا البحث عن إجابات أو اختبار فرضياتهم تجاهلوا البعد التاريخي والديني في هذه المسألة، وهو البعد الذي تطور عبر قرون ونظم العلاقة بين الأفراد والنخب الحاكمة.
اتصالاً بنفس القضية البحثية، كثير من الدراسات السابقة بحثت مسألة الإذعان السياسي، وهي الأسباب التي تدفع المواطنين الخليجيين إلى طاعة الحكام والنخب الحاكمة. فبعضهم فسرها بأنها تقوم على المصالح، أو تعتمد على توفير الحاكم الأمن للمواطنين مقابل الطاعة السياسية. وأيضاً من المداخل التفسيرية أن الحاكم يقوم بتوزيع الثروات مقابل طاعة مواطنيه.. إلخ.
البعد الذي يتجاهله الباحثون الأجانب يتمثل في وجود نسق اجتماعي في مجتمعات الخليج يتحكم في علاقة المواطنين بالحكام، يتمثل في الإذعان الطوعي المتوارث جيلاً بعد آخر، مدعومٌ ببيئة دينية تشجع ديمومة الحاكم حفظاً لاستقرار المجتمع، ووقاية للصراعات التي تعد أشد فتنة من القتل. وهذا النسق متوارث طوعياً بين الأفراد، ومن يحاول المساس به فإنه يواجه مقاومة مجتمعية عفوية من الأفراد وليس من الحكومات أو النخب، لذلك تفشل جميع محاولات التغيير، والتاريخ شاهد على ذلك.
إضافة إلى ذلك، فإن تشجيع الانقسامات لا يعد أداة من أدوات السياسة في مجتمعات الخليج العربي، فالانقسامات تزيد المجتمعات نفسها ضعفاً وتفككاً. لذلك دائماً ما يركز الخطاب الرسمي على مسألة الوحدة والاتحاد، وضرورة الحفاظ على مختلف المكونات. حتى عندما قامت طهران بتشجيع خلايا «ولاية الفقيه» لإثارة الفوضى في دول مجلس التعاون منذ العام 2011 لم يتم التعامل مع المكون الشيعي وتم اتهامه بالخيانة الكلية أو إقصاؤه أو استهدافه. فتلك المشكلة تم التعامل معها في حدود من تورط بها، وإن كانوا ثلة من الشيعة، لا يمثلون شيعة دول مجلس التعاون أبداً.
قد يختلف مواطنو الخليج مع حكوماتهم، والنخب الحاكمة، وهو اختلاف طبيعي، لكن الاختلاف على المصلحة العليا لا يمكن حدوثه باعتباره معادلة صفرية يخسر فيها الجميع، والجميع يدرك ذلك جيداً.