جثث متناثرة لمئات الآلاف وأشلاء مبعثرة تعود لشباب الوطن العربي شاهدناها ونشاهدها وسنظل نشاهدها كل يوم في نشرات الأخبار وداخل أوراق الصحف اليومية. هؤلاء الفتية الذين اختطوا الطريق «الغلط» في معركتهم المصيرية لم يكن للعالم من خيار آخر سوى أن يصنفهم على أنهم مجموعة من الإرهابيين يجب القضاء عليهم بصورة عاجلة.
شباب عربي متوهج فتي كان الأحرى به مواصلة حياته الطبيعية وجلوسه المستمر على مقاعد الدراسة، لكنه اختار أن يترك الحياة من أجل الموت، ولم يدر في خلده ولو للحظة واحدة بأن العلم والكثير من القيم النبيلة هو ما يجب أن يموت لأجله لا أن يضحي بحياته لأجل الأفكار المنحرفة التي تم غسل دماغه من خلالها عبر مجموعة من المحرضين الدينيين والسياسيين، حتى أصبح هؤلاء الشباب العرب وقود الحرب العالمية ضد الإرهاب.
من أوصل شبابنا إلى هذا المستوى الهابط من التفكير والسلوك الشاذ؟ ومن الجهة التي شجعتهم على اختيار الموت بدل الحياة؟ وكيف يمكن لمناهج دينية أو سياسية أو منابر أن تعطى كامل الحرية في عواصمنا العربية من أجل إفساد شبابنا وتعطيل إنسانيتهم وقدراتهم على التفكير السوي عبر حزمة من الممارسات التي تؤدي إلى غسل عقولهم بالجهل والخرافة وحب التضحية باتجاه الطريق الخاطئ؟ من الذي أيد الأفكار المنحرفة وناصرها وشجعها وساهم في نشرها بين شبابنا حتى اختاروا أصعب الطرق نحو الهاوية؟
إن الأعداد الكبيرة التي نفقت على طريق الإرهاب من شبابنا العربي لا يمكن أن تكون عفوية وغير مدبرة، فهناك أيادٍ خفية وبعضها ظاهر للعلن كان لها الدور الأساسي في انحراف هؤلاء الفتية واستدراجهم من مقاعد المدارس والجامعات إلى حيث الموت الرخيص، فهؤلاء هم من يجب محاسبتهم ومعاقبتهم وملاحقتهم قضائياً في كافة أرجاء العالم، فالشباب الذين يهاجرون من أوطانهم في سبيل الانتماء للجماعات الإرهابية المسلحة هم ضحايا هذا الفكر وليسوا السبب، ولهذا لا يجب إبادة هؤلاء الشباب المنحرفين فكرياً في معارك طاحنة وترك من أغروهم بالحور العين في الآخرة وبعظيم المناصب في الدنيا يسرحون ويمرحون دونما محاسبة.
الدول والحكومات العربية تتحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية فيما يتعلق بملف الإرهاب وحواضنه، كما لا يمكن تبرئة الأسرة والمجتمع والشباب من هذه المسؤولية التي كان بإمكانهم أن يعالجوها بطريقة احترافية خالية من الفوضى والكسل، فالكثير من الأسر العربية لا ترغب بتحمل مسؤولية أبنائها ولا تتقبل أن تبذل جهوداً مضاعفة لإنجاح وتأمين مستقبل صغارها، حتى قامت الأسر العربية وبشكل فاضح بإرسال أبنائها إلى دور العبادة أو قذفهم في أحضان شخصيات سياسية كي تتولي هذه المهمة نيابة عنهم فكانت الكارثة. تنام الأسرة وابنها في حضنها، فتستيقظ على خبر يؤكد انتقال ذلك الابن لأحضان تنظيم الدولة «داعش» وغيره من الجماعات الإرهابية. كل ذلك يحصل وأكثر حين تنام الأسرة والمجتمع عن تحصين صغارهم بالمعرفة والعلم واحترام الآخر وتقديس القيم الإنسانية وتوقير المرأة وغيرها من المفاهيم التي تعتبر اليوم من صلب الحضارة، فاستبدلوها بقيم جاهلية تدعو إلى القتل بأبشع صوره في عالمٍ يتسابق لغزو الفضاء.