على مدى القرنين الماضيين لم يشهد الخليج العربي اضطراباً كما يشهده اليوم من فوضى تعم شواطئه وامتداداتها على بحر العرب والبحر الأحمر. لذلك لا يجب الاكتفاء بالتعامل مع هذه الفوضى بذات الطريقة التي تعاملنا معها مع أحداث متعددة سواءً الحروب الإقليمية، مثل الحرب العراقية الإيرانية، أو حرب تحرير الكويت، أو مواجهات موجات الإرهاب المتتالية.
اضطراب الخليج يعني مزيداً من الضغط على دول مجلس التعاون الخليجي التي يجب ألا تقف صامتة إزاء ما تواجهه من تحديات، خصوصاً بعد أن باتت دائرة الاستهداف واضحة لدول هذه المنظومة، وهو استهداف لن يتوقف الآن أو حتى بعد مائة عام إلا بعد أن يحقق أهدافه، وتصبح هذه الدول مجرد دويلات صغيرة متصارعة على الثروات والسلطة، ويتدخل في شؤونها الأجنبي فيزيد فوضاها فوضى.
هذا المشهد سنراه جميعاً، أو قد تراه الأجيال الخليجية المقبلة إذا لم تتخذ قرارات صعبة، وتسمى الأمور بمسمياتها، ويتم معالجة كل تحدٍّ على حده بعيداً عن المجاملات الدبلوماسية، أو التردد المفرط، أو التأجيلات غير الضرورية.
هي ليست مبادئ، بل هي أقرب للأعراف الدبلوماسية التي سارت عليها السياسات الخارجية الخليجية منذ سبعينات القرن العشرين وحتى الآن، وباتت تلك الأعراف تتحكم في السياسات الخليجية إزاء القضايا الإقليمية والدولية، إضافة إلى تحكمها بالعلاقات على المستويين الإقليمي والدولي.
دول مجلس التعاون الخليجي تعرف جيداً من هو العدو، ومن هو الحليف، ومن هو الشريك، ومن الذي يعمل معها، ومن الذي يعمل ضدها. لكن هيمنة الصمت على دوائر صنع القرار، والتردد هو الذي سيدفعنا تدريجياً إلى دائرة الفوضى. نعرف جيداً ماذا تفعل تلك الدولة بالمصالح الخليجية، وماذا تفعل لزعزعة أمن واستقرار دول الخليج، وتدعم إحدى القوى الإقليمية لتحقيق هذا الهدف، وبعد ذلك نأتي ونسميها حليفاً أو شريكاً، لا يوجد منطق في هذه المسألة أبداً.
قراراتنا الصعبة خليجياً تعرفها دوائر صنع القرار جيداً، وليست بحاجة لانتظار أكثر، فكلما زاد الانتظار كلما زاد الضرر، وساهم الخليجيون بأنفسهم في الإسراع من مشروع التغيير في الخليج العربي، ولا أعتقد أن ذلك مقبولٌ لصناع القرار، لأنهم المتأثر الأول بمشروع التغيير قبل دولهم.
القرارات الصعبة لا يمكن اتخاذها بشكل منفرد من دول خليجية دون غيرها، بل هي قرارات يجب أن تتخذ جماعياً، ويتحمل الجميع مسؤوليتها انطلاقاً من المصلحة الخليجية المشتركة التي يعرفها أهل الخليج العربي قبل أن تكون موثقة في ديباجة النظام الأساسي لمجلس التعاون الخليجي منذ 35 عاماً.