بداية أتقدم بالشكر الجزيل إلى كل من سأل عني خلال الفترة التي تلت آخر مقالٍ لي «بناء الذات «2»»، والذي نشرته صحيفة «الوطن» بتاريخ 4 أبريل 2016. وقد سألني الكثيرون عن سبب توقفي عن الكتابة لفترةٍ طويلة، وهنا أود أن أوضح بأن العبرة ليست في عدد المقالات التي أكتبها، وإنما في القيمة العلمية والأدبية لكل مقال. فمنذ صغري، لا أحب أبداً أن أتوقف عن الكتابة حتى لو اكتفيت ببعض الكلمات لعل الناس يجدون فيها ما ينفعهم أو يذكرهم «وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين». لقد انشغلت مؤخراً بسبب كثرة الأسفار التي تشكل فسحة للتأمل والتدبر، فعندما تزور بلداً ما، فإنك لا تكتفي بالتعرف على ثقافة وعادات أهل البلد، بل ستأخذ معك قبساً من العلم سينفعك عاجلاً أم آجلاً.
كنتُ في زيارة عمل إلى تونس قبل عدة أشهر، وقد لاحظت أنه بالرغم من الأزمات التي حلت بهذا البلد الشقيق، إلا أن الشعب التونسي شعب يحب الحياة ويمارس أنشطته اليومية بشكل طبيعي، مستلهماً حياته ونشاطه من أشعار أبي القاسم الشابي الذي مات وهو في ريعان شبابه.
ومن الدول التي زرتها خلال السنوات الماضية «سنغافورة»، حيث انبهرت كثيراً مما شاهدت أثناء تجولي في تلك الجزيرة الصغيرة من تطورٍ وانضباطٍ لدى سكانها. وقبل أن أزور سنغافورة في بداية عام 2003، شاهدت بالصدفة برنامجاً وثائقياً عن هذا البلد، وقد أُجريت لقاءات مع أصحاب الشأن هناك، إذ قال أحد الخبراء الاقتصاديين: «لا يوجد لدينا في سنغافورة نفطٌ ولا غاز، ولكننا نتخذ الإنسان مصدراً للثروة».
لدى كل إنسان مواضع جمالٍ، وهبه الله إياها، فإذا كانت النفس زكية أظهرتها، وإذا كانت النفس نتنة حجبتها، وهناك فرقٌ بين الذكاء الخالص والذكاء الناقص، فالذكاء الخالص هو الذكاء ذو المستوى الطبيعي الذي يشمل الذكاء الفكري والذكاء الاجتماعي، أما الذكاء الناقص فهو الذكاء المقترن بالسذاجة أو الحماقة. والعيوب أنواع: عيوبٌ يمكن التغاضي عنها، وعيوبٌ يمكن معالجتها، وعيوبٌ لا يمكن التغاضي عنها ولا حتى معالجتها. ومن صور الجهل أن يخلق الشخص أعداءً افتراضيين، فما يدريه لعل الشخص الآخر ينفعه أو يتبين أنه عكس ما كان يتصور.
إن تعدد الآراء - بهدف الوصول إلى نتائج مثمرة - ظاهرةٌ صحية بالنسبة لمن يهوى فن الحوار ويعي آدابه، والإيجابية هي حائط صدٍ في مواجهة كل هجمةٍ مباشرة وغير مباشرة، فهي التي تجعل لعبة الحياة ممتعة وذات قيمة، وتجعل الحظ مبتسماً لك في بعض الأحيان ومشاكساً في أحيانٍ أخرى. لذا تابع المسير ولا تلتفت إلى الوراء حيث يقف من تجرد من ثوب الهمة بلا حراك، ولا تلتفت إلى جنبيك كي لا يعكر صفوك كل حاسدٍ أو يائس.
وفي ميدان العمل، لا تربط مصيرك بمصير غيرك، فكلنا تقريباً نختلف من حيث الظروف والقدرات والتطلعات، فكما اجتمعنا في ظروف معينة، فإن الظروف ذاتها قد تفرقنا ويبقى الود والاحترام قائماً.
وفيما يخص علاقاتك بالآخرين ولنسميهم بـ «الجمهور»، فإنك تستطيع أن تجذبهم، وتستطيع أن تكسبهم، وتستطيع أن تتعاطف معهم، لكنك لا تستطيع أن تأخذ كل ما تريد منهم، فالجمهور كأمواج البحر، حيث يقذفك التيار الجارف إلى حيثما يشاء إن لم تعرف كيف تجاريه.