شهد تاريخ الخليج العربي دخول عدد من القوى الأجنبية أراضيه، البرتغاليين، الهولنديين، الفرنسيين، البريطانيين، ثم الأمريكيين. ذلك الدخول الذي ناوءته فارس بكل ما أوتيت من قوة حاملة لواء عدم دخول الأجنبي للخليج، فيما رحبت به دول الخليج العربي باعتبار تلك الدول الأجنبية موازن استراتيجي لطغيان فارس.
لطالما أراد الإيرانيون أن يكون الخليج بحيرة مغلقة لإيران، وهو ما يبرر موقفها المستميت على التفرد في المنطقة ومنع دخول آخرين إليها. من جهة أخرى فهناك استماتة روسية تاريخية للوصول إلى المياه الدافئة منذ عقدين، وقد لاحق نجم تحقيق ذلك الطموح على أيدي الملالي تاركين الشاه – رأس الحربة المناوئة لدخول السوفييت للخليج العربي أثناء الحرب الباردة - يتقلب في قبره، بعدما استباحت إيران قاعدة همدان الجوية للروس بذريعة مواجهة الإرهاب في سوريا، ما يتيح للروس من جهة أخرى تقرباً ماكراً وحذراً للخليج العربي من الضفة الإيرانية. وأتساءل إن لم يكن مطار حميميم في سوريا كافياً بعد للتجهيز الروسي، أم أن قاعدة همدان إنما هي ذريعة تطوير العلاقات الإيرانية - الروسية وتحقيق الحلم القيصري؟!! من كان يصدق أن حامل لواء عدم دخول الأجنبي للخليج هو نفسه الذي يفترش له الأراضي الإيرانية ياقوتاً وزبرجد، ويضيفه زعفراناً وفستقاً!! لقد انتهجت إيران المصلحية والبراغماتية بوضوح، فرغم أنف العداء التاريخي المستحكم منذ قرنين، مرجعه انتزاع الأجزاء الشمالية من إيران في عصر ستالين وإضافتها للاتحاد السوفيتي.
السؤال الأهم.. كيف للخليج العربي أن يستفيد من التطورات الأخيرة في المنطقة؟.. باعتقادي فإن على الخليج العربي أن يحصن نفسه من أي تأكيدات تخديرية من إيران أو غيرها، فإيران التي حاربت الروس في الحرب الباردة بما يتوافق مع مصلحتها آنذاك، هي نفسها التي تستضيفهم اليوم عندما تتطلب مصلحتها ذلك. إيران تدعي أن هذا دخولاً مرحلياً للمساعدة في الحرب على «داعش» ثم ستعاود روسيا الانسحاب من أراضيها، تماماً كما نزلت القوات الأمريكية للأراضي الخليجية وانسحبت منها عقب انتهاء مهمتها في عاصفة الصحراء، غير أن الكيل بمكيالين يجعل من التعاطي مع القوات الأجنبية في المنطقة خياراً استراتيجياً لإيران، واحتلالاً أو اختراقاً أمنياً للخليج العربي!!
* اختلاج النبض:
الدرس الأول الذي يتعلمه الدبلوماسيون الجدد في المعاهد الدبلوماسية هي أن «مصلحة بلدك هي الأولوية المطلقة»، وجاء قبول إيران للروس مؤكداً أن تعاملنا مع القوى الغربية كان تقديراً صحيحاً.