ظلت مشكلة الإسكان طوال عشرين عاماً الماضية من المشاكل الرئيسة في الدولة البحرينية، وتمحورت حولها نقاشات واسعة لم تتوقف يوماً، بين مقترح للحلول، وبين منظر لأبعاد المشكلة من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية، إضافة إلى من طالب الحكومة بالإسراع في وضع استراتيجيات جديدة لمعالجة المشكلة بالشراكة مع القطاع الخاص تارة، أو بشراكات دولية تارة أخرى.
ويبدو أن هذا النقاش قارب على الانتهاء مع الطموح الحكومي المعلن في برنامج عمل الحكومة خلال الدورة الحالية مع توافر سيولة مناسبة يمكنها أن تساهم في معالجة المشكلة، وهو ما استطاعت وزارة الإسكان توظيفه بجهود ضخمة من قبل العاملين بها وبتنسيق كبير مع الأجهزة الحكومية الأخرى.
لن تنتهي مشكلة الإسكان قريباً، بل من المتوقع أن تستغرق سنوات أخرى، خصوصاً مع ارتفاع الطلبات الإسكانية كل يوم. وهذا لا يعني أهمية الاستمرار في مواجهة الاحتياجات الإسكانية للمواطنين خلال الفترة المقبلة.
لكن، إلى متى ستظل مشكلة الإسكان المشكلة الأولى لدى البحرينيين الذين انشغلوا بها فترة طويلة مع التحديات التي مرّت عليهم من محاولات لتغيير النظام السياسي ثم موجة الأمن، واليوم حالة الفوضى وعدم الاستقرار التي تعم المنطقة؟ ما هي المشكلة الجديدة التي يمكن أن تواجهها الدولة البحرينية خلال عقد أو عقدين من الزمن من الآن؟
لا أملك إجابات واضحة أو دقيقة، لكن ذلك لا يمنع من البحث عن إجابات واقعية بناءً على معطيات واقعية.
عند الحديث حول ذلك فإن التفكير يقودنا سريعاً لبحث الاحتياجات المعيشية الأساسية ومنها الأمن والدخل المالي. واللافت فيهما أنهما متغيران غير مستقرين، فالبحرين شهدت موجات متعددة من الاضطراب الأمني سواءً من جماعات راديكالية أو موجة أعمال إرهابية، وفي النهاية فإن الدولة تنتصر وتتمكن بجهود أجهزتها من استعادة الأمن والاستقرار لفترة معقولة نسبياً ثم تبدأ موجة جديدة، وهكذا.
كذلك الحال بالنسبة للأزمات المالية التي دائماً ما ترتبط بمصدر الدخل الرئيس للدولة وهو النفط الذي باتت أسعاره متقلبة أكثر من أي وقت مضى، ولا يمكن الاعتماد عليه بشكل أساسي، وهو ما يتطلب جهوداً جادة لتنويع مصادر الدخل للحكومة.
إذن مشكلتا الأمن والمال ليستا مشكلة استراتيجية دائمة يمكن العمل عليها، كما أنهما لا ترتبطان مباشرة بدخل الأفراد من منظور المواطنين العاديين على الأقل. فالمواطن يرى أن الأمن من مسؤولية الدولة وأجهزتها، وثمة شريحة من المواطنين ترى أنها غير معنية بتحقيق الأمن. كذلك الحال بالنسبة للمشكلة المالية التي قد لا يكترث المواطن العادي بها، وينظر إليها على أنها ليست مشكلته بل مشكلة الحكومة نفسها، ولذلك فإن قاعدة زيادة دخل الحكومة تؤدي إلى زيادة نصيب الفرد لا تعنيه كثيراً، خصوصاً وأن ثقافته مازالت ريعية.
إذن ما هي المشكلة التي يمكن أن تواجه الدولة البحرينية، وتتطلب معالجات استراتيجيات؟
للحديث بقية غداً..