لم يقل إسماعيل الصفوي في العام 1514م كلمة «إن شاء الله مبارك بادا» عندما مرّغ سليمان القانوني أنفه بهزيمة مذلة في معركة جالديران، غير أن ملالي إيران البراغماتيين قالوها مؤخراً متجاوزين مبادئهم وقيمهم المزعومة، في سبيل المصالح والعلاقات الدولية الجديدة؛ واقعين -ربما- في حبائل «الأردوغانيين» فتم التقارب التركي-الإيراني على أنقاض الانقلاب العسكري في تركيا. فما حقيقة ومبررات انقياد الطرفين لهذا التقارب في ظل ما شهدته علاقتهما البينية التاريخية من حركة أفعوانية غير مستقرة؟!
لقد أسهمت عوامل عدة في ظهور بوادر التقارب التركي-الإيراني، لعل أبرزها:
- خيبة أمل تركيا في أوروبا جراء موقف الأخيرة البارد من الانقلاب، والاكتفاء بالحديث عن حقوق الإنسان وما شاكلها في غياب سافر لقرار أو تصريح أوروبي يندد بالانقلاب أو يستنكره في سبيل تشجيع الدولة الديمقراطية، ما يشكل نفاقاً أوروبياً إن لم يكن خيانة للتعاليم الديمقراطية بما يعكس ما يكنه الأوروبيون تجاه تركيا.
- شكوك تركيا بتورط أمريكي غادر في إدارة الانقلاب من خلال جناحين؛ كولين المقيم في أمريكا ومازالت الأمور عالقة إن كان سيسلم لتركيا أم لا، وحديث جنرال أمريكي يعلن فيه عن خسارته لبعض الجنرالات الأتراك في العمليات التطهيرية التي قام بها أردوغان.
- نزوع تركيا للعودة إلى مشرقيتها في السياسة الخارجية، وهنالك مشروع لم يتضح بعد بعودة تركيا شرقاً تمثلت مظاهره في الصلح مع بوتن واستقبال وزير الخارجية الإيراني.
بيد أن تقارباً كهذا.. يطرح عدداً من الأسئلة حول موقع الخليج العربي منه، ولعل أبرز ما قد يتمخض عنه من مكاسب أو خسائر خليجية، يتمثل في:
- التغيير المصلحي بين ميزان القوى في المنطقة، فالخليجيون يعتبرون تركيا موازنة لإيران في الملفات والقضايا الإقليمية وأهمها سوريا، ويقلل التقارب من التعويل الخليجي على تركيا في حلحلة بعض المتغيرات.
- إيران غريم مفترض للمصالح الخليجية، فتقاربها مع أي طرف يشكل تهديداً للخليج وإبعاداً لهذا الطرف عن الخليجيين، وقد حدث في وقت قريب مضى مع أمريكا مثلاً.
- تمتلك إيران من المقومات ما يثير توجس صانع القرار السياسي في الخليج العربي، لكونها الطرف الأكثر براعة في الإغراء لمن يتقرب منها.
لكن لا بد أن نعي كذلك أن هذا التقارب قد يكون مرحلياً ولا يدعو للقلق، ولكنه كذلك قد يتمخض عن تبعات أخرى:
- ربما ينعكس التقارب على عدة ملفات في سوريا واليمن ولعل آخرها طرح تركيا رأي إمكانية التعامل مع الأسد.
- قد يكون للتقارب مدلول إيجابي ومؤثر في حلحلة الأوضاع الجامدة في سوريا، وربما في ملفات إقليمية أخرى، لاسيما وأن إيران قد ضاقت ذرعاً بعدم قدرتها على زحزحة الأوضاع فلجأت إلى تركيا التي هي مفتاح الحل لبعض الأمور، ولكن ذلك سيسهم في إعطاء حالة من التضخم للدور التركي الذي كان محجماً بالضغط الإيراني، على حساب الدور السعودي-الخليجي في المنطقة.
اختلاج النبض
نحتاج إلى وزارات خارجية خليجية تقدم الدبلوماسية بطراز مختلف، فتخرج من شرنقة «الدبلوماسية السياسية» وقراءة الأحداث الراهنة ومعالجتها، إلى «الدبلوماسية الاستراتيجية» والاستشراف والقفز إلى المستقبل.!!