ستفتتح دار أوبرا دبي بعد أسبوعين من الآن، وللعلم حين فكرت دبي في بناء دار للأوبرا لم تفكر بها على أساس مقترح قدم لها من فلان فجاملته دبي ومنحته «كم مليون» يبنيها، وللعلم دبي حين فكرت ببناء دار للأوبرا كانت تعرف أن لديها مسارحها وقاعات احتفالاتها التي تقام فيها حفلات الطرب والفن الخليجي والعربي وتقام مع هذه الحفلات مهرجانات التسوق، وحين فكرت دبي ببناء دار للأوبرا كانت تعرف أن لدبي مدنها الترفيهية العائلية المرادفة، إنما دبي تعرف أن ذلك خط سياحي له مردوده المالي ولدار الأوبرا خط سياحي مختلف، له متطلباته المختلفة وجمهوره السياحي المختلف، ومردوده العالمي صيتاً ومالاً مردود مختلف، فهو خط يضع دبي على خارطة المعالم السياحية الثقافية الراقية في العالم، وكما تعد سيدني ونيويورك معلماً عالمياً تعد دبي معلماً عالمياً بهذه الدار، لا بمعمارها كتحفة معمارية فنية فحسب، بل بالعروض التي ستشغلها هذه الدار.
حين اتخذ القرار لبناء دار أوبرا دبي وضعت لها دراسة تجمع بين كلفة إنشائها -التي لم يفصح عنها حتى الآن- وميزانية تشغيلية معها، لأن الدراسة اعتبرت دار الأوبرا مورداً سياحياً قائماً بذاته يعطي قيمة مضافة للبنية التحتية الأخرى، فهذه الدار جزء مكمل لمنظومة من البنية التحتية للسياحة وضعت دولة الإمارات على مصاف أكبر الدول السياحية في العالم، وعلى اعتبار أن السياحة مورد من موارد الاقتصاد «وللعلم تبلغ عائدات السياحة للشرق الأوسط كله 200 مليار دولار 60 ملياراً منها استحوذت عليها دولة الإمارات وحدها».
لم تبخل دبي على دار الأوبرا فاختارت لها زها حديد لتصميمها مع باتريك شوماجير وليوم الافتتاح الذي سيحين بعد أسبوعين في 31 أغسطس اختارت بلاسيدو دومينغو لأول عروضها، ووضعت لها برنامجاً سنوياً من الآن حتى عام 2017 مليئاً بالعروض العالمية التي سيعلن عنها يوم الافتتاح، وخصصت له ميزانية تشغيلية، لأنها تعرف كم ستدر هذه الدار على دولة الإمارات من عوائد.
دبي تعرف أن الإماراتيين كمشاهدين قد لا تستهويهم تلك العروض وربما حتى لا تستهوي الخليجيين إنما هذه العروض عالمية يعادل دخلها دخل مدن ترفيهية وحدائق وسواحل، فمحبو عروض الأوبرا يأتون إليها من كل حدب وصوب من شرق العالم وغربه، ويعتبر جمهور الأوبرا كنزاً سياحياً لأي دولة، يحجزون الفنادق ويتسوقون ويزورون معالم ومتاحف الدولة التي «يتعنون» لها لمشاهدة عروض الأوبرا فيها.
ما يعجبنا في دبي أنها تفكر بشمولية وتشتغل بمركزية، ليس هناك مراكز قرار متعددة يتخذ فيها القرار بناء على هذا أحبه وهذا لا أحبه، فهذا أساعده أعطيه ميزانية كي يعمل وذاك أضيق عليه كي يزهق ويترك المكان، بل تعمل دبي والإمارات على أساس أن هناك بلداً ودولة توضع على رأس الكل، وعند كل الأجهزة التنفيذية بلا استثناء، وتجبر جميع مؤسساتها أن تضع دولة الإمارات فوق كل اعتبار شخصي أو هوائي، وحين يتخذ القرار فلا تراجع عنه ويستكمل ويوظف ويستفاد منه للدولة.
هل هناك حاجة للتذكير بمقومات السياحة الثقافية الموجودة عندنا في البحرين والمهملة والمتروكة كي ينمو عليها بيت العنكبوت لأسباب لا نريد أن نفتح بابها؟
مسرحنا الوطني كلفنا عشرة ملايين دينار فقط، وهي كلفة بسيطة مقارنة بكلفة دار دبي للأوبرا قد لا تعادل النصف أو يمكن أقل من النصف بكثير، وكان من المفروض أن يكون مسرحنا داراً للأوبرا البحرينية بتصميمه الفريد وموقعه الجذاب تقام عليه العروض التي تجذب سياحة النخبة التي ستجذبها دار أوبرا دبي الآن «عليهم مليون عافية»، لكنه ترك بلا ميزانية تشغيلية، لأننا حسبنا المردود بعدد التذاكر فقط، تخيلوا لو أن أوبرا سيدني حسبت مردودها بعوائد تذاكرها لأغلقت سيدني دارها منذ سنوات!
لدينا في البحرين إرث ثقافي تاريخي وتراثي يحلم به أي بلد لأنه من كنوز السياحة، إرث وتراث غير موجود في كل دول مجلس التعاون مجتمعة، جاهز ومحضر ممثلاً في قلاعنا ومتاحفنا ومشاريعنا التراثية، وهذه تسوق بتلك، الزائر لها يختتم يومه بعروض دولية، لكنها كلها تركت بلا ميزانية تكمل بنيتها التحتية وبلا ميزانية تسوق البحرين من خلالها، مهمل كي تبني عليه العناكب بيوتها.
أنت تسوق للبحرين الثقافية والحضارية بهذه المعالم فهذا هو الوجه الحقيقي للبحرين، وجه تريد أن يعرفه العالم ويراه غير ذاك الذي يسوقه أعداؤك وخصومك وكارهوك، بتوظيف هذه البنية السياحية، أنت تقول للعالم نحن دولة ونحن نظام لدينا بعد وعمق تاريخي وحضاري نعرف قيمة أنفسنا، إلى جانب أنك تدخل مردوداً اقتصادياً على الدولة بجمع كل تلك الموارد الثقافية ضمن خطتك التسويقية لا لكي تضيف موارد للدولة فقط بل كي تخاطب العالم بأثمن ما لديك.. حضارتك وثقافتك وإرثك.
البحرين عمق تاريخي وحضاري وإنسانها ترك لنا كنزاً لا نعرف قدره ولا نعرف قيمته.. لكن مع الأسف ونقولها بحسرة لا يوجد بلد ينتحر كالبحرين.. تتقاذفه الأهواء والصراعات وتتصارع فيه الفيلة فتدوس على هويتها وتخنق اقتصادها وتئد ثقافتها وتهمل إرثها انتظاراً للانتهاء من هذه الدوامة.. دائماً نحن لنا البداية ودائماً غيرنا الذي يكمل إلى خط النهاية.. باختصار هذه أزمتنا!!