معظم الناس سمع بجماعة الحشاشين التي أسسها حسن الصباح في بلاد فارس مستقطباً حوله أفراداً من الشبان الأشداء، الذين اقتنعوا واهمين بصلاحه، وبقدرته على تأسيس إمارة إسلامية قوية، واعتمد حسن الصباح وجماعته في تمويل حركتهم على السرقات والقتل وقطع الطرق، وأنشأ لجماعته «قلعة الموت» في المنطقة الجبلية الواقعة بين إيران وأفغانستان واتخذ منها مقراً للتدريب والاختفاء ونقطة انطلاق لعملياته الإجرامية.
فقتل العديد من قادة الجيوش والوزراء، بمن فيهم صديقه القديم نظام الملك، وهاجم أعوانه حاكم إمارة القدس الصليبي وقتلوه بدافع السرقة.
كان حسن الصباح وجماعته شديدي الولع بالنساء وتعاطى الحشيش، مما انعكس على أفعالهم وطاعتهم العمياء لأوامره وإيمانهم بقدرته الكاملة على النفع والضرر لهم، فللتدليل على قسوته اللانهائية قام بقتل ولديه لمخالفتهما أوامره، وأمر العديد من أفراد جماعته بالانتحار الفوري وكانوا ينفذون دون تردد،
واقترفت جماعة الحشاشين باسم الإسلام كافة جرائم القتل والسرقة وخطف النساء وقطع الطرق أمام القوافل وتعاطي المخدرات والاغتيالات السياسية والانتحار وغيرها، وكلها ارتكبت وادعى مرتكبوها أنها لنصرة الإسلام.
وأول من شرح طريقة حياتهم هو الرحالة الشهير ماركو بولو ووصفهم قائلاً:
«إن شيخهم أمرهم فقاموا بزراعة وادٍ كبير بين جبلين بعدد من الأشجار المثمرة والورود، وفي ركن بهذه الحديقة الواسعة صنعوا جداول صغيرة تفيض بالخمر واللبن والماء والعسل، وكان يخدم في هذه الحديقة نساء جميلات جداً يجدن الرقص والعزف على الآلات الموسيقية وطائفة من الغلمان يقدمون الخمور، وكان شيخهم يريد أن يوحي لأتباعه أنهم في جنة مصغرة على غرار جنة القرآن».
وما أشبه جماعة داعش وحزب الله اليوم بجماعة الحشاشين بالأمس، فقد رأينا في العراق وسوريا نفس منطق الحشاشين، من قتل وسرقة واغتصاب للنساء واختطاف العديد منهن وبيعهن فيما بعد، وقد رأينا الكثير من الإصدارات التابعة لهم أشبه بحديقة الحشاشين التي أنشأها الصباح فيما يخص حور العين، والأمثلة كثيرة وخاصة الاغتيالات وتحديداً لكل من يخالفهم في العراق وسوريا، فحزب الله قام بتكفير كل من يقف بوجهه سياسياً أو عسكرياً فهو على الأقل متهم بالكثير من الاغتيالات السياسية في لبنان، وهذه الاغتيالات هي أشبه بالاغتيالات التي كان يقوم بتنفيذها جماعة الحشاشين، إضافة إلى تجارة المخدرات والحشيشة، فكل المناطق اللبنانية التي تنشط في هذا المجال خاضعة كلياً لسيطرة حزب الله، أما داعش فانتهجت الأسلوب نفسه والأسوأ في تجربة جماعة الحشاشين، فقد عمدت داعش إلى اغتيال العديد من قادة الثوار في سوريا وقتلت الكثير من الثوار السوريين وربما أكثر من النظام السوري، ولكن المؤكد أن الذين قتلوا من الثوار في مواجهة داعش أكثر من الذين قتلوا في مواجهة النظام، معتمدين بذلك نفس أسلوب جماعة الحشاشين، فالعقليات لم تتغير ولم تتبدل والأفكار هي نفسها والمدنية لم تلمس حياتهم، فهم دائماً يريدون العودة للقديم يفضلون الحرب والقتل والسرقة والزنـا والتخريب والتدمير، وكانت الاستراتيجية العسكرية للحشاشين تعتمد على الاغتيالات التي يقوم بها «فدائيون» لا يأبهون بالموت في سبيل تحقيق هدفهم. حيث كان هؤلاء الفدائيون يلقون الرعب في قلوب الحكام والأمراء المعادين لهم، وتمكنوا من اغتيال العديد من الشخصيات المهمة جداً في ذلك الوقت، ومنهم على سبيل المثال الوزير السلجوقي نظام الملك وملك بيت المقدس. وقد استولى الحشاشون في السابق على سوريا عندما اغتالوا أمير حلب، ثم اغتالوا «مودود» حاكم الموصل ثم اغتالوا براق بن جندل أحد الأمراء المحليين في نواحي بانياس، والمشهد أيضاً يتكرر اليوم في سوريا من قبل جماعة الحشاشين الجدد «داعش» وجماعة حزب الله وبنفس الأسلوب، من اغتيال لمعظم قادة الفصائل المسلحة التي تواجه النظام السوري، إضافة إلى استخدام الخناجر في اعتداءاتهم الإرهابية في فرنسا والسيارات المدنية والأمثلة كثيرة، وكل ذلك بهدف إقامة دولتهم الإسلامية سواء كانت إيرانية أو داعشية، فالمصدر والفكر واحد والممول واحد والهدف واحد وإن اختلف الأسلوب من حين إلى آخر سواء حزب الله أو داعش، وأيضاً التاريخ سيعيد نفسه، حيث فشلت جماعة الحشاشين في إقامة دولتهم سيفشل حزب الله وداعش من إقامة دولتهما في المستقبل.
*مستشار مركز البحوث حول الإرهاب في باريس