أسوأ تركة خلفها الاحتلال الأمريكي وراء ظهره في العراق ويكابدها الشعب العراقي اليوم هي الطائفية التي سعى من خلالها ومن خلال شخوصها إلى تمزيق النسيج العراقي الذي بقي متماسكاً لعقود وسمح من خلال سياسته اللعينة بفسح المجال وتداول السلطة لقيادات مستعدة بل أعطت التعهد على نفسها بعدم إقامة أي دعوة مستقبلية ضد المحتل وانتهاكاته وتنفيذ كل ما هو مطلوب منها من خدمة المحتل والتذلل بين يديه حد المهانة مقابل أن يطلقوا أيديهم ليمارسوا فسادهم بأريحية ودون رقيب أو مساءلة لحين إتمام المهمة ثم العودة من حيث أتوا! ..
لذا وبعد دراسة مستفيضة لتركيبة الشعب العراقي فقد توصلوا أن أفضل من يتبنى وينفذ هذا المخطط الشيطاني وباتباع التدليس والكذب وتزويقه ثم تسويقه على أنه تحرير وديمقراطية هي الأحزاب الإسلامية فلها مقبولية لدى المكونين السني والشيعي فوقع الاختيار عليها.
ثم ما لبثت تلك الأحزاب الدينية وبدعم من أمريكا والمرجعية أن تتقدم الصفوف ومنذ الأيام الأولى للاحتلال لتتخذ مواقعها القيادية ونادراً ما يوجد من بين صفوفهم سياسي محنك قد مارس السياسة وإن وجد فقد استخدم كواجهة ثم تعمدوا لاحقاً استبعاده بعد اكتمال المشهد مثل عدنان الباججي وغيره ممن خدعوا ثم عادوا من حيث أتوا.
وبالمناسبة فهنالك خلط كبير بين يعمل في صفوف المعارضة وبين من هو يصلح للحكم بعد وصول المعارضة لسدة الحكم! فليس كل معارض هو سياسي ضليع ويصلح لإدارة دفة الحكم وأغلب حركات المعارضة في دول العالم الثالث خليط غير متجانس وأغلبهم غير مؤهل للقيادة والمعارضة في دولنا اليوم ليست بريئة أبداً وليس همها بالتأكيد الوطن ولا المواطن فجلها مخترقة حد النخاع من قبل مخابرات دول عالمية وإقليمية وتعمل وتأتمر بأمرهم بعقد بالباطن مفاده: «سلمونا السلطة نسلمكم البلد !!».
نعود من حيث ابتدأنا إلى تداعيات الملف العراقي فلقد وصل إلى حالة من التهري والفساد والتفسخ إلى درجة أصبح العراقي من شدة هول المصائب التي تتوالى على رأسه يتمنى يوماً من أيام حكم الراحل صدام حسين الذي رقص البعض فرحاً بالإطاحة به مؤملاً نفسه بأن أمريكا ستصدق في وعودها وما حطت قواتها إلا لتجعل من العراق جنة الله على الأرض. لكن وبعد ثلاث عشرة سنة عجاف من المراوغة والكذب وشلال الدم والفساد الذي لم يدع شيئاً إلا والتهمه فالعملية السياسية اليوم باتت مرفوضة بالكلية من الشعب العراقي وهي أشبه بالكلية الصناعية المرفوضة من العقل والجسد.
وبين الفينة والأخرى تتعمد الأحزاب والكتل الشيعية ويتقدمهم الفتى الغير متزن مقتدى الصدر بالاتفاق المبطن فيما بينه وبينهم وبعد كل نائبة ومصيبة تحل بالبلاد فيتعمد بتحريك وشحن أتباعه بخطبة بتراء لا تفهم رأسها من أساسها ولا يكاد ينطق بجملة واحدة مترابطة ليحدث رجة وصدمة كالتي يتبعها الأطباء لمن أصيبت عضلة قلبه بالاحتشاء فيندفع اتباعه كالقطعان ليفترشوا الجسور والشوارع وبتمثيلية مفضوحة تفتح لهم أبواب المنطقة الخضراء للتنديد بالحكومة وأقطابها والمطالبة بالإصلاح ومحاسبة وإقالة المفسدين والتحول إلى حكومة تكنوقراط ثم ما تلبث أن تنفض تلك المظاهرات الهزلية والاعتصامات بوعود كاذبة زائفة متفق عليها وباتت مثار سخرية.
ومن ضمن طرق التنفيس التي يخدع بها أولئك الساسة ذلك الشعب المبتلى أيضاً هي: طرق باب الاستجواب وغالباً ما توجه لممثلي أضعف الحلقات والمكونات في السلطة التشريعية أو التنفيذية ليكونا كبش فداء وكما هو معلوم فإنه وبظل تسلط الولي الفقيه فإن أضعف مكون في العراق اليوم هو المكون السني!.
والذي لولا الضغوط العالمية لتجميل الوجه الأمريكي القبيح لما تجرأ أحد من ممثلي السنة أن يتخطى عتبة باب مجلس النواب أو يتسلم أي مقعد وزاري!
ومع أن كل طاقم الحكومة السابقة واللاحقة قد نخره الفساد لكنه لم يتجرأ أحد من الكتل والنواب استدعاء أكبر سارق عرفته المافيات والدول سيء الصيت المالكي وطاقمه إلى قبة البرلمان لاستجوابهم.
لكنه وبعد الانهيار الأمني في تفجير الكرادة الكارثي ثم الخلافات الحادة حول من سيدير معركة تحرير الموصل؟؟ فهل ستناط المهمة بعهدة الجيش العراقي وبقيادة وزير الدفاع خالد العبيدي حسب توصية الأمريكان؟ ام سيتولاها الحشد الشعبي بقيادة قاسم سليماني ومساعديه مهدي المهندس وهادي العامري وبموجب إصرار إيران؟؟
ولخلط الأوراق وإرباك المعركة قبل انطلاقها فقد اتفقت الكتل الشيعية وأعدت مسبقاً ملفات فساد في العقود «لكنها خالية من جميع العقود التي أبرمها المالكي طيلة فترة حكمه السوداء ثمانية أعوام».. وأحبكت حبكاً لتطيح بالوزير لكونه أما متورطاً بها أو متستراً عليها وجعلت خصومه من نفس كتلته وطائفته لتحرق الجميع وتستفرد بعدها الكتل الشيعية دون منغصات بحكم العراق بعد التفاهم مع الأكراد الذين لا يهمهم أبداً أهل السنة ومصيرهم علماً أن أغلب ممثلي السنة هم بالباطن متوافقين مع العملية السياسية وجلهم من الفاسدين.
لكنه حدث أثناء الاستجواب ما لم لم يكن بالحسبان فقد دخل الوزير قبة البرلمان ومعه القادة العسكريين وبكل أريحية ورباطة جأش وهدوء ليقذف بالكرات المرتدة ويصوبها بوجه المهاجمين ليطيح بها رؤوس كبار وكان في مقدمتهم رئيس مجلس النواب سليم الجبوري الذي فر مذعوراً وغادر كرسي الرئاسة من هول الصدمة التي لم يكن ليتوقعها من أقرب الناس إليه ومن كتلته. لكن الشيء الذي يثير الاستغراب ويضع علامة استفهام كبيرة أن وزير الدفاع كان شاهداً على سقوط الموصل ويعلم يقيناً حيثيات فضيحة تسليم المدينة لتنظيم داعش ويعلم يقيناً أسرار مجزرة سبايكر لكنه حاول جاهداً إغفالها والعبور من فوقها كلاعب الموانع الماهر في ألعاب القوى!!.
ونجحت الخطة بإتقان وتحول الاستجواب إلى استدراج وإلى تناحر في البيت السياسي السني والذي سيحترق قريباً وسيخرجوا من العملية السياسية غير مأسوف عليهم لأنهم لم يدخلوها خدمة ومحبة لأهل السنة بل لأطماعهم. ومازالت تلك الفضيحة المدوية تعصف بمجلس النواب العراقي. لكن الذي نتوقعه ويتوقعه الكثير أن الفساد باق لأن العملية السياسية والقضاء الذي سيفصل بينهم هو أحد دعامات العملية السياسية الفاسدة وهو من يدافع عن أقطابها ويتستر عليها لكنها ربما ستطيح تلك العاصفة برؤوس حسبت أنها استقوت لكنها في الحقيقة مازالت تحبوا بين حيتان الفساد. ولن يطول الوقت حتى تنكشف الخيوط ويتبين غاية السيد وزير الدفاع العراقي ومن يقف وراءه!!
وهل يحمل بيمينه معول هدم أم لبنة بناء؟؟
وسيتحدد قريباً كذلك بعد هدوء العاصفة من سيقود معركة تحرير الموصل؟؟