تكوّنت الدولة الخليجية الحديثة الموجودة حالياً عبر أربع مراحل مهمة من حيث مواجهتها للتحديات والأزمات المتتالية، يمكن تلخيصها في الآتي:
المرحلة الأولى: مرحلة الاستقلال، وهي بداية الانفصال عن المستعمر الأجنبي، وبداية الاعتماد الذاتي في إدارة شؤون الحكم وبناء الدولة.
المرحلة الثانية: مرحلة التحديات الخارجية التي شهدتها خلال ثمانينات القرن العشرين، خصوصاً بعد قيام الثورة الخمينية وتبنيها مبدأ تصدير الثورة، واندلاع الحرب العراقية - الإيرانية، انتهاء بغزو العراق للكويت في 1990.
المرحلة الثالثة: مرحلة التحديات الداخلية برزت خلال التسعينات الماضية، وشهدت اختباراً داخلياً رئيساً عندما تزايدت المطالبات بالتحول الديمقراطي إثر ما سمي بـ»فشل الأنظمة في الدفاع عن أراضيها وسيادتها». كما شهدت المرحلة نفسها موجة إرهاب رئيسة تركزت في البحرين والسعودية.
المرحلة الرابعة: مرحلة الانفتاح الداخلي، وهي تمثل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين والذي قامت فيه معظم الدول الخليجية بإجراءات وانفتاح داخلي على مختلف القوى، وبعضها دشن برنامجاً طموحاً للإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
المرحلة الخامسة: مرحلة صمود الدولة، وهي المرحلة التي نعيشها اليوم، تتميز بدرجة عالية من التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية للدول الخليجية إلى درجة إثارة حالة عدم الاستقرار، إضافة إلى انخراط دول الخليج في حروب إقليمية في وقت واحد. أيضاً من سمات هذه المرحلة بدء مرحلة جديدة من موجات الإرهاب تتبناها جماعات ثيوقراطية راديكالية.
تلك خمس مراحل رئيسة عاشتها الدول الخليجية منذ مطلع السبعينات وحتى الآن، ولم تخلُ مرحلة من هذه المراحل من وجود تحديات قاسية وخطرة تمثل تهديداً ليس للأمن والاستقرار فحسب، بل تمثل تهديداً لوجود هذه الدول ومصيرها المستقبلي. كثير من الباحثين الغربيين تنبأ بانهيار الدول الخليجية سريعاً في أوقات الأزمات، وبرّر موقفه بأن هذه الدول اعتمدت على مدى عدة قرون ماضية على وجود قوة أجنبية تهيمن عليها، وبالتالي ليس لديها مقومات الدولة الحديثة، ولا يمكنها مواجهة التحديات على المدى الطويل.
الدول الخليجية ستحتفل بعد خمس سنوات من الآن بمرور نصف قرن على استقلال معظمها، وهي واجهت حروباً إقليمية ودولية، وأزمات سياسية واقتصادية، ومحاولات انقلابية وثورات وأعمالاً إرهابية، ومع ذلك صمدت واستطاعت مواجهة تلك التحديات سواءً كان مصدرها داخلياً أو خارجياً.
في السياسة أن تواجه دولة حديثة كل هذه التحديات ليست بالمسألة السهلة، بل هي فعلاً صعبة، ومن الممكن أن تؤدي مواجهة التحديات إلى انهيار الدولة نفسها. لكن في الدولة الخليجية لم يحدث ذلك حتى الآن، وأسبابه مازالت محيرة لدى الغرب، إلا أنها واضحة ومعروفة في مجتمعاتنا الخليجية.