مؤسسة راند الأمريكية المتخصصة في مجال الأبحاث على مستوى العالم، والتي كان لها دور بارز في تقييم الجماعات الدينية في الشرق الأوسط قبل ما يسمى بالربيع العربي، وهي التي قدمت واحدة من أهم الدراسات لمكتب وزير الدفاع الأمريكي حول ضرورة التحالف مع جماعة الإخوان المسلمين في مصر، لتشهد القاهرة تلك التحولات الدراماتيكية التي لم تتوقف إلا بعد أن سقط حكم الإخوان، وصدور النسخة الثانية من الدراسة التي أعدتها مؤسسة راند البحثية حول كيفية التعامل مع الجماعات الدينية بعد الفوضى التي عمت المنطقة. الآن انتهت هذه المؤسسة من إعداد دراسة هامة حول مجلس التعاون الخليجي ومستقبله حتى العام 2025.
اهتمت هذه المؤسسة بدراسة عوامل تماسك دول مجلس التعاون الخليجي أمام التحديات الداخلية والإقليمية التي واجهتها، إضافة إلى تقييم هذه العوامل في عدة مجالات تشمل السياسة والاقتصاد والأمن خلال العقد المقبل.
اللافت في الدراسة نفسها، أنها أكدت مبررات إعدادها بأنه جاء لسد «ثغرة في الأبحاث الغربية باعتبار التلاحم الخليجي يمثل بعداً غير مكتشف في الداسات الإقليمية». وهو ما يؤكد ما يكرره الساسة في دول الخليج بأن هناك قصوراً أمريكياً في فهم المنطقة، وفهم ديناميكيات السياسة الخليجية. فليس منطقياً أن يقوم مركز أبحاث بعد مرور نحو 35 عاماً ويهتم ببحث عوامل تماسك المنظومة الخليجية بهذا الشكل المفاجئ.
أيضاً توقيت الدراسة مهم، فهي تأتي قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية بأربع شهور، وهي تؤكد أهمية العلاقات الخليجية ـ الأمريكية التي ترى أنه من مصلحة واشنطن الحفاظ على علاقات إيجابية مع العواصم الخليجية، خصوصاً وأنها تتمتع بمجموعة من عوامل الاستقرار والتماسك. هذه الرؤية تختلف عن تلك التصورات التي طرحت منذ عهد الرئيس السابق جورج بوش الابن بعد أن تبنت إدارته فكرة الشرق الأوسط الجديد، وإستراتيجية الفوضى الخلاقة التي نعيشها اليوم. أيضاً تختلف عن السياسة الخارجية للبيت الأبيض، والتي أنهت التحالف الخليجي ـ الأمريكي، وأنهت الثقة المشتركة في تلك العلاقات بعد أن ظلت سائدة عقوداً طويلة، وبناءً على ذلك تراجع النفوذ الأمريكي من الشرق الأوسط.
من الممكن متابعة اتجاه مختلف لدى مراكز الأبحاث الأمريكية التي تساهم بشكل رئيس في صياغة السياسة الخارجية الأمريكية ومواقفها تجاه القضايا الإقليمية والدولية المختلفة. هذا الاتجاه يهتم بإصلاح ما أفسدته آخر إدارتين في العلاقات مع دول المنطقة. لكن ذلك لا يعني ضرورة الحذر من استهداف مقومات التماسك الخليجي ـ الخليجي لأنه الضمانة الأولى لمستقبل المنظومة الخليجية.