يعتبر الاتحاد الأوروبي من الاتحادات ذات النفوذ القوي بالعالم، بل هو نموذج قد يراه الكثير من المحللين نقطة التوازن في القضايا الدولية المعاصرة، حيث يرجع تأسيسه بناء على معاهدة ماسترخت الموقعة عام 1992.
وتأتي مواقف الاتحاد الأوروبي في القضايا الدولية متباينة ولكن الرؤية الرئيسة التي يتبناها الاتحاد بوجه عام هي رؤية اقتصادية قبل أن تكون رؤية سياسية، لكون أن الاتحاد ركز أكثر على الجوانب التجارية وتوحيد العملة، وهذا ما يتم بثه من تصريحات مختلفة في الأوساط الإعلامية.
إلا أنه رغم السنوات التي مضت على دول الاتحاد الأوروبي مازالت تعاملاتها تنتهج اللغة الرسمية لكل دولة، ولم تعتمد اللغة الإنجليزية كلغة أساسية لها وخاصة في فرنسا وألمانيا وإسبانيا وغيرها من الدول، وهذه نقطة خلاف ثقافية ومن المحتمل أن تكون جوهرية في القضايا القادمة، ولكن في الوقت نفسه فهي تحافظ على وجود هذا الاتحاد نظراً للمصالح المشتركة والتي تحفظ أمنه واستقراره.
إذاً نصل إلى نقطة مهمة، كيف سيكون مستقبل الاتحاد الأوروبي وسط التحديات الإقليمية والموجة الإرهابية التي تجتاح مجموعة كبيرة من الدول الأوروبية وسط مخاوف بتفكيكه؟
لمعرفة مستقبل الاتحاد يجب أن نعلم أن القارة الأوروبية كانت عبارة عن نهر من الدماء والصراعات وخاصة خلال فترة القرنين السادس عشر والسابع عشر بما تسمى بالحروب الدينية، وجاءت الثورة الفرنسية وتسلسلت الأحداث حتى وصلت للحرب العالمية الأولى والثانية، إلى أن كانت الحرب الباردة التي تعتبر بداية الصحوة الأوروبية لما سيواجهه بالمستقبل.
كما أن الموقع الجغرافي للاتحاد الأوروبي هو جزء من قوته نظراً لأنه يفصل بين قطبين مهمين وهما روسيا وأمريكا وليس بعيداً عن الشرق الأوسط، حيث إن خطوط الطاقة والمواصلات تقع في عصب هذا الاتحاد. وبالتالي فإن الاتحاد الأوروبي لديه مجموعة ضخمة من الملفات التي تهدد وجوده على الخارطة العالمية، بحيث إن قضايا الشرق الأوسط قد امتدت لعواصم أوروبية وهددت أمنها، حتى وجدت أوروبا نفسها وسط المعارك التي يقودها قطبا العالم الأمريكي الروسي. وعلى ما يبدو أن الملاحظة المهمة التي لم تلقَ الاهتمام لدى المتابعين للشأن الأوروبي أن مستقبل الاتحاد مهدد بالتفكك لأسباب أمنية بحتة، وأن الأعمال الإرهابية التي تدار بالعواصم الأوروبية هي جزء أساس في تفكيكه، وانسحاب بريطانيا من الاتحاد ما هو إلا بداية لما هو قادم، فليس من مصلحة روسيا وأمريكا أن يكون هذا الاتحاد بقوته الحالية، فعملية تفكيكه هي الهدف القادم بعد اتحاد القطبين الأمريكي الروسي.
وبالتالي، فإن مستقبل الاتحاد الأوروبي غير معلوم إلى الآن لكون خططه القادمة غير واضحة المعالم وسط مواقف دوله المتباينة، وإن قطبي القوة الأمريكي الروسي قد وجدا في أوروبا كما في الشرق الأوسط، إذ إن زيادة متانة العلاقات الأوروبية سيجعلها ذات تأثير على القرارات الدولية والتي تمس بمستقبل هيمنة القطبين، وخاصة أن أوروبا تضررت بشكل كبير من مخطط تقسيم الشرق الأوسط، مما يدفعنا لطرح تساؤل مهم، هل الأوروبيون «خبراء السياسة» ستمرر عليهم مخططات القطبين لتفكيكهم؟ للإجابة عن هذا التساؤل الذي تختلف الإجابة عليه نظراً لوجود أكثر من توجه فيه، ولكنني سأقول رأيي كطالب في مجال الإعلام الدولي، هو أن الأوروبيين عانوا في الماضي الكثير من الحروب التي أزهقت أرواحهم ولن يسمحوا بتفكيكه لأنهم يعلمون أن مصيرهم معلق به، فلو تفكك فإن أوروبا ستتجه لإعادة ماضيها الدموي.