اعتدنا على انشغال واشتغال الجمعيات السياسية بالانتخابات التشريعية والبلدية باعتبارها الفرصة التي يمكن أن تختبر فيها نفوذها، وفرصة أيضاً تمكنها من تحقيق أجنداتها السياسية، وتختبر جمهورها. هذه الحال جرت في الفترة الممتدة من 2002 إلى ما قبل 2014، لأن في هذا العام تغير المشهد السياسي ومال المزاج السياسي للجماهير إلى اختيار المستقلين، فتعرضت جميع الجمعيات السياسية إلى فشل سياسي ذريع، فالتي اختارت عدداً من المترشحين وعوّلت على الجماهير فشلت، والتي اختارت خيار مقاطعة العملية السياسية فشلت بعد أن امتلأت صناديق الاقتراع بجماهيرها الذين كفروا بها.
تجربة الجمعيات السياسية في البحرين مهمة، والأهم فيها أنها بينت مدى تأثير الأجندات والأيديولوجيات على الجماهير، فعندما كان مزاج الجماهير دينياً، عاشت الجمعيات السياسية الدينية عصراً ذهبياً لافتاً، لكن التجربة سرعان ما أثبتت أن من يمارس نشاطه السياسي باسم الدين يفشل سريعاً، وهناك نزعات وعي لدى الجماهير نفسها دفعها لتكوين قناعاتها الذاتية بعيداً عن أدوات التنشئة السياسية التقليدية التي اعتادتها الجماهير البحرينية من مساجد ومآتم وخطب جمعة وبعض كتابات الرأي المحلية والخارجية.
الجماهير البحرينية تعرّضت منذ العام 2011 لأدوات تنشئة سياسية جديدة، وكل من يتابع تطور ظاهرة شبكات التواصل الاجتماعي يدرك جيداً الدور الذي لعبته هذه الشبكات منذ أزمة ذلك العام، ومن يعمل قريباً من الصحافة المحلية سيعرف معنى ذلك جيداً، لأن هناك تحولاً تاريخياً هائلاً في وسائل الإعلام يتجاوز ظهور الإذاعة في عصر الصحافة المكتوبة قديماً.
فشلت الجمعيات السياسية في استيعاب هذه الحقائق، لذلك تواجه مشاكل عدة تتعلق بالتجنيد السياسي، والتعبئة السياسية، إضافة إلى التنشئة السياسية، وتحوّلت بعض الجمعيات إلى ذكرى، يمكن تذكرها في بعض الاستطلاعات الصحافية النادرة.
خلال الفترة التي أعقبت الأزمة الأخيرة تغير المشهد السياسي، وتراجع نفوذ الجمعيات السياسية الدينية، وبعض الجمعيات المخالفة للقانون تم حلها وانتهت. البعض عوّل على المستقلين، والبعض الآخر طالب بظهور قوى سياسية جديدة بعيدة عن الأيديولوجيا، وبين الخيارين تظهر مطالبات ثالثة تتعلق بإنهاء تجربة الجمعيات السياسية في البحرين رغم أنها الأولى على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي.
ليس وارداً التراجع في تجربة سياسية تطورت كثيراً، ولا تراجع في مسيرة الإصلاح والتحول الديمقراطي، بل يجب ترك التجربة تتطور كما هي، وتعزيز تطبيق القانون على جمعيات مازالت تتجاوز القوانين الوطنية. الجماهير هي القوة الوطنية الأولى، وهي التي تتحكم في مثلث النفوذ السياسي في النظام.