مساء الجمعة وبينما كنت مع زوجي في بضرم المصيف التركي الذي يعج بمنتجعاته وبفنادقه نتناول الكباب ونستمع إلى الموسيقى التركية التقليدية و إذا بأحد الأصدقاء يقول لنا ما اعتقدناه في البداية مزحة:
هناك انقلاب في تركيا وما هي دقائق حتى تحول جو الاسترخاء و الانبساط و الاستمتاع بالأكل الشهي إلى وجوم وقلق. وذهبنا إلى فراشنا ولا نعرف إن كان سيكون لنا نصيب في الرجوع إلى بلادنا في اليوم التالي. و لكن استيقظنا بخبر فشل الانقلاب. والجدير بالذكر أن من أفشل الانقلاب ليس جهاز أردواغان الاستخباراتي و لكن الشعب التركي. ولم يقف بوجه المتمردين على سلطة الحكومة موالين لها بل وقف مؤيدو الحكومة مع المعارضين لها بصدورهم في وجه الدبابات ولم يحملوا صوراً لأردوغان أو لأية أحزاب و لكنهم حملوا الأعلام التركية لأن دفاعهم لم يكن عن أوردغان و حكومته و لكن عن تركيا التي يرأسها أردوغان و عن النظام الديمقراطي في البلاد. واليوم يتساءل أية حلة سترتدي تركيا بعد فشل الانقلاب. فأردوغان الذي كان يطالب بسلطة مطلقة والذي أحكم قبضته على حرية التعبير و على القضاء كيف سيتصرف؟. هل فشل الانقلاب سيعزز من تفرده بالسلطة أم الانقلاب و إن فشل سيدفع بأردوغان لمراجعة سياسته الداخلية. تركيا اليوم على مفترق طرق فمن جهة هل ستتجه أكثر للحكم الاستبدادي أو ستتجه لتعزيز ديمقراطيتها. هل ستتجه أكثر لأسلمة الحكم أم ستتمسك بالعلمنة وبالدستور. و هنا أوردغان هو الربان الذي سيبحر في تركيا إلى خياراتها الاستراتيجية. ومن الواضح أن الانقلاب لما حصل لو لم يكن هناك شرخ متزايد بين الأطياف التركية المختلفة من العلمانيين و الإسلاميين. كما الفترة القادمة ستحدد موقف المؤسسة المدنية من المؤسسة العسكرية، تلك المؤسسة ذو التاريخ الحافل بالانقلابات. هل سيخضع أوردغان أخيراً الجيش للسلطة المدنية أم سيخضعه لسلطته و إمرته الشخصية؟ و ما الهدف من اعتقال الآلاف؟ إسكات المعارضة أو تفعيل الشرعية؟ والسؤال الآخر كيف سينظر أوردغان إلى فشل الانقلاب؟ هل سيعتبر أردوغان فشل الانقلاب هو ترجيح كفة الإسلاميين أم هو تأكيد على تمسك الشعب التركي بمؤسساته الديمقراطية. كما السؤال هل سينتهز الفرصة ليسحق أعداءه ومعارضيه داخل المؤسسة العسكرية وخارجها أم ستكون فرصة للتوافق مع الأطراف المعارضة. هنا أيضاً يجب التساؤل ما الذي يهم أوردغان أكثر؟ سلطته وحكمه أو مستقبل تركيا وصون مؤسساتها ودستورها. وهل سيتصرف أوردغان كتشرشل الذي انحنى أمام مؤسسات بريطانيا الديمقراطية وانسحب بكياسة بالرغم من انتصاره في الحرب العالمية الثانية أم سيتصرف كستالين الذي حكم بقبضة من حديد وخنق جميع الحريات حتى يوم مماته. الفترة القادمة في تاريخ تركيا هي مفصلية وتستحق المتابعة...