علينا إعادة التذكير ببعض الثوابت بين الحين و الآخر، فكثرة الأحداث وضخامتها تهز الأرض أحياناً من تحت أقدام الجميع، وعلينا التأكيد بكثير من المتغيرات حسبنا أنها ثوابت فارتكزنا عليها مخطئين.
فبعد الذي حدث في تركيا زالت كل ذرات الضباب المتبقية وأيقنا أنه لم يعد لهذا الحليف أمان، نسينا أنه متغير لا ثابت، إن الولايات المتحدة الأمريكية تحت ظل هذه الإدارة الغبية تنسف كل ما بناه أجدادها من مصالح في المنطقة قضوا في بنائها 100 عام على الأقل منذ نهاية الثلاثينات في القرن الماضي إلى اليوم، فأتى هؤلاء الديمقراطيون بنظرياتهم الورقية ونفخوا عليها فأطاروها، غباء منقطع النظير، لم يحصل طوال التاريخ الحديث أن اتهمت الولايات المتحدة الأمريكية بالضلوع في مخططات تآمرية على شعوب المنطقة كما تتهم الآن، البحرين والمملكة العربية السعودية ومصر وتركيا وليبيا وتونس واليمن ولبنان ونصف الشعب العراقي يتهمها والشعب السوري يتهمها، من بقي إذاً؟
منذ تولى هذا الأوباما سدة الرئاسة ووزراء خارجيته الواحد تلو الآخر ليست لديهم مهمة سوى الدفاع والإنكار وترقيع الأخطاء ووضع الخطوط الحمراء ومسحها اعتذار لهذا وطلب السماح من ذاك.. «مسخرة» خارجية لا «سياسة» خارجية تلك التي تتعاطى بها أمريكا مع العالم، سفراؤها ومسؤولوها بين مطرود و بين منبوذ، هل يعقل أن أحداً منا بقي مؤمناً بأن أمريكا في ظل هذه السياسة مازالت حليفاً «ثابتاً» لنا؟
على مدى نصف قرن كانت هذه واحدة من الثوابت التي كنا نظن أنها لن تتغير على الأقل في زمننا وفي أعمارنا، لكنها الآن نسفت عن بكرة أبيها، ولم تعد ثابتاً بل أصبح ثباتها خطراً علينا، من بقي على وهمه ولم يفهم ما يجري من حولنا ومازال يظن أن بإمكانه الاعتماد على الولايات المتحدة الأمريكية فهو إما ضالع معها في ضررها وإما واهم يظن أن ما يحرقه في عز الظهيرة وهو في الصحراء مصباح و ليس شمساً، والاثنان خطر على أمننا!
الثابت الآخر أنه لا حصن غير الدولة ولا أمان إلا للوطن فلا خلافة سنية ولا فقهية شيعية، إيران «خالصين» أنها عدوة لنا، إنما ماذا عن الحالمين بدولة الخلافة العثمانية، أمن بعد توجه أردوغان للتطبيع مع إسرائيل ولروسيا والاتفاق معها على الملف السوري ومن بعد العلمانية الفاقعة الملتزم بها أردوغان مازال بعضنا واهماً بعودة الخلافة العثمانية؟
ألم نفهم أن الثابت ألا عودة لزمن تحكم فيه جماعة الأمة، تحت زعامة تركيا أو تحت زعامة إيران؟ من كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ومن كان يعبد الخلافة فالخلافة قد انتهت وماتت، دونكم أوطانكم هنا يكون جهادكم.
لتركيا شعب يحميها وأردوغان زعيم مؤقت لها كغيره من الزعماء الحريصين على مصلحة تركيا ووحدتها ووحدة نسيجها المتنوع، فليفق أي واهم وحالم بأن أحداً هناك عابئ به، فليفق من يظن أن نجاته بتعلقه بزعيم أجنبي حتى وإن كان مسلماً حتى وإن كان سنياً، وليفق من كان يظن أن نجاته بتحالفه مع فقيه إيراني لا يراه سوى عميل وحشرة برتبة خادم.
أما نحن كبحرينيين فحصننا من بعد الله سبحانه وتعالى في ثوابتنا، متمثلة في التفاف شعبنا وقياداتنا وتمسك الاثنين منا بدستورنا، ما قلناه لجماعة الولي الفقيه للذين ظنوا أن مرشدهم الأعلى حصنهم الأعلى نقوله لجماعة الإخوان الذين يظنون أن أردوغان حصنهم الأعلى.
عمقنا الاستراتيجي هو خليجنا لا تركيا ولا إيران، وللسعودية ولبقية دول الخليج دور ومكانة في نفوسنا وفي سياستنا الخارجية وفي خططنا الدفاعية لا بديل لنا عنها، ظهيرنا وقوتنا نستمدها من عروبتنا ومن أصدقائنا عرباً ومسلمين دون تمييز لأحد على الآخر إلا فيما يخدم مصالحنا، وذكاؤنا في تنوع تحالفاتنا وانفتاحنا على العالم، أمننا وسلامتنا فوق أي اعتبار.
الدولة ملزمة بجميع أجهزتها ومؤسساتها بتوضيح وشرح وتفسير ومن ثم التأكيد على هذه الثوابت بالتوعية وبالقانون معاً، تلك الثوابت هي حصننا وهي ملزمة للجميع للكبير قبل الصغير، نحن أمام صراع مع جماعات تسعى لمسخ ثوابتنا وهويتنا كل في اتجاه مستغلة تهاون الدولة واستهانتها بالمخاطر.. إنما لا تسلم الجرة في كل مرة، للتذكير فقط، هل تتذكرون كيف كانت جماعة الولي الفقيه تهون من مفهوم ومعنى ارتباطها بالزعيم الإيراني؟ تارة يقولون إنها زعامة روحية وتارة يقولون إن تعليق صوره مثل تعليق صور جمال عبدالناصر وتارة يقولون إنها ولاية جزئية حتى إذا ما دقت ساعة الصفر ووقفوا في منتصف الطريق حائرين بين مصلحتين متضاربتين، وجدنا أن الاستعداد لبيع الوطن فكرة ناضجة وجاهزة للقطف والتداول، وثمرة وحصاد لهذا الغرس المشوه، وحصر ما تجرعته الدولة نتيجة التهاون في غرس الثوابت.. فالله الله في ثوابتنا.