حاول الغرب عبر حزمة من السلوكيات السياسية والاستراتيجية أن يقسم الوطن العربي إلى أقاليم ودول «وكانتونات» مختلفة وذلك لرسم خارطة جديدة لمنطقة الشرق الأوسط بعد مشروع «سايكس بيكو» الأخير. الفوضويات والحروب والنزاعات الطائفية والصراعات والثورات التي اختلقها الغرب وزرعها في أوساطنا، تارة تكون عبر حركات شعبية وتارة أخرى عبر منظمات وأحزاب إرهابية، وحين لم تلق رواجاً في تغيير واقع المنطقة حسب المخططات المرسومة لها سلفاً من طرف الغرب، اتجهوا مرة أخرى لوضع مجموعة من الملفات الأخرى كبديل للفوضى الخلاقة، كان من أبرزها ملف اللاجئين.
قد يعتبر البعض أن ملف «اللاجئين العرب» في الوطن العربي عامة هو من الملفات العادية جداً، إذ أن كل الصرعات لابد أن تخلِّف مجموعة من التداعيات يكون على رأسها مجموعة من النازحين واللاجئين والفارين من المعركة. نحن نؤكد هنا أن استخدام هذا الملف وفي هذه الظروف تحديداً ليس استخداماً بريئاً كما يتوهم البعض، بل هو من ضمن الخطط التي حاول أصحاب هذا المشروع توظيفها في خدمة «الربيع العربي» المزمع إقامته في بعض الأقطار العربية.
إن من أبرز ملامح وأهداف ملف اللاجئين هو تفريغ الوطن العربي من إنسانه بشكل كامل، فهم يريدون أن تظل البلدان العربية دون شعوب، أو إذا كان ولابد من وجود شعوب، فالمطلوب أن تكون شعوباً لا تملك حيلة ولا قوة، أو تكون شعوباً لا تملك قرارها أو أن يكون كل همّها أن تجمع الخبز لتطعم صغارها، فالدول الاستعمارية تدرك أهمية ملف اللاجئين وكيف يمكن أن يخدمها عند وقت الضغط على الدول التي تعاني من وجود لاجئين على أراضيها أو من رعايها.
اليوم، ضغط الغرب بما يكفي لإلزام تركيا على تقبل اللاجئين السوريين، بل لم يكتف الغرب الحنون بهذا السلوك الاستعماري الفاسد، حيث أجبر الحكومة التركية على تجنيس اللاجئين العرب وإعطائهم الجنسية التركية من أجل تفريغ الوطن العربي من الإنسان العربي. حين يقوم الغرب بتهجير العرب كل العرب من بلدانهم الأصلية تحت ذرائع واهية وسخيفة، فإنه بذلك يتجه لتقسيم المنطقة بشكل حادٍ وغير إنساني، حتى لو كان هذا الأمر لا يتحقق إلا عبر نزوح ملايين العرب من العراق وسوريا وليبيا وغيرها من الدول العربية من أراضيهم إلى حيث البحر الذي اختطف آلاف العرب داخل قوارب الموت، أو رميهم في البر يصارعون الموت من أجل البقاء في مخيمات لا تصلح حتى للحيوانات. هذا هو الغرب الجميل الذي يسعى بكل ما أوتي من قوة من أجل نشر الديمقراطية عبر صراعات لا تنتهي، وعبر ملفات إنسانية يستخدمها لإنجاح مشروعه التوسعي وقت الحاجة من أجل الضغط على العرب للسجود تحت قدميه أو إعطائهم صفة «اللجوء»، هذا هو الواقع المؤلم مع الأسف الشديد.