أكثر من 100 ألف إيراني معارض احتشدوا في باريس للتنديد بسياسة النظام الإيراني وفضح الجرائم التي يرتكبها هذا النظام ضد كل من يخالفه، هذا الحشد جعل من وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف يعبر عنه بتصريح صحفي بعيد عن الدبلوماسية وأخذ يكيل التهم لمن حضر وشارك في مؤتمر المعارضة الإيرانية الذي عقد مؤخراً في فرنسا.
هذا هو ديدن النظام الإيراني، فعندما لا يستطيع قلب الحقائق أو تزييفها، فإن أقل ما يفعله هو التقليل من الحدث واستصغاره، ولكننا هنا نتكلم عن 100 ألف معارض إيراني، ليس بألف أو عشرة آلاف، وقد شارك فيه دبلوماسيون وسياسيون عرب وغربيون، وشخصيات مشهورة منها الأمير تركي الفيصل الرئيس السابق للاستخبارات السعودية الذي وجه خطاب دعم للمعارضين الإيرانيين حظي بترحيب وتقدير من المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، الذي اعتبره «رسالة صداقة للشعب الإيراني لأنها تعبر عن التضامن مع مطالبه».
السؤال الأهم هنا لماذا غضب وزير الخارجية الإيراني كل هذا الغضب من هذا المؤتمر والمشاركين فيه؟ هل أغضبته كلمة رئيسة المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية في الخارج، مريم رجوي خلال المؤتمر المذكور، عندما أكدت أن الطائفة السنية في إيران يتعرضون للقمع أكثر من ذي قبل؟ وأن أعمال العنف في تصاعد، وتعرض المواطنون الكرد والعرب والبلوش وأتباع الديانات المختلفة لمزيد من القمع والتمييز، والإعدامات قد تضاعفت ضعفين أو ثلاثة أضعاف؟ أم قولها أن اقتصاد بلدها قد تورط في الركود أكثر من الماضي، وأصبح النظام المصرفي مفلساً، وتعطلت المعامل واحدة تلو أخرى»؟.
ولعل ما أغضب الوزير ظريف ما أكدته رجوي من أن نظام الملالي يتواكب مع تنظيم «داعش» ويتسق معه، وأن كليهما ضد رسالة الإسلام الحنيفة، وكلاهما له أساليب مماثلة في البربرية والتوحش، وكلاهما حياته مرهونة بعضهما ببعض.
لماذا غضب ظريف؟ هل لأن المعارضة الإيرانية من شأنها أن تمارس المزيد من الضغط الدولي على إيران؟، خاصة بعدما وجهت 18 منظمة حقوقية في فبراير الماضي خطاباً للدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة حول الانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان في إيران؟ ومطالبة المجلس بالتركيز على انتهاكات شملت «الإعدامات والاعتقالات التعسفية والتعدي على حرية الرأي والتجمع والمعتقد، وانتهاك حقوق الشعوب غير الفارسية والمدافعين عن حقوق الإنسان والنشطاء السياسيين، وممارسات التعذيب الممنهج، وجرائم حرب ضد الإنسانية بتدخل النظام الإيراني في سوريا والعراق واليمن وتمويل الإرهاب والعنف في السعودية والبحرين».
أم أن ظريف تذكر العدد الهائل من الإعدامات لمواطني بلده؟ والتي بلغت 120 ألف حالة نفذها النظام الإيراني منذ قيام ما يسمى بثورته في 1979، وفي هذا الشأن قدم المقرر الخاص في الأمم المتحدة، أحمد شاهد تقريراً للجمعية العامة للأمم المتحدة في أكتوبر الماضي أكد من خلاله وجود انتهاكات لحقوق الإنسان في إيران وصفها بـ «الصارخة»، مارسها النظام الإيراني، وقدم شاهد نموذجاً لتلك الانتهاكات، منها إعدام 753 شخصاً عام 2014، وارتفاع هذه الإعدامات إلى أكثر من 800 شخص خلال الأشهر الـ10 الأولى من العام 2015.
أم أن غضب ظريف جاء بسبب تذكره للمجازر التي ارتكبها النظام الإيراني منذ اندلاع ثورته والبالغة 7 مجازر في مدن أشرف وليبرتي؟ أم أن ظريف خشي أن يتسبب هذا «الحشد الباريسي المعارض» في زيادة قرارات الإدانة التي وجهتها الأمم المتحدة إلى إيران والتي بلغت حتى العام الماضي 63 قرار إدانة لانتهاكات النظام الإيراني لحقوق الإنسان في إيران؟ ناهيك عن ذكر انتهاكات أخرى تمس حقوق المرأة، والمسجونين، ونشطاء المجتمع المدني، والأقليات القومية والدينية، أكثر وأكثر كلها، أمور لم يتسع المجال لتفصيلها، ولكنها بلا شك أمور سوف تغضب ظريف وأسياده في طهران.