تفصلنا عن أكتوبر المقبل نحو 3 شهور، ولسنا بحاجة لأزمة سياسية جديدة كما عانينا كثيراً خلال السنوات القليلة الماضية. فالأزمة المحتملة المقبلة ليس سببها محاولة انقلابية، أو موجة إرهاب جديدة، بل سببها المحتمل هو مشروع الميزانية الجديدة للعامين 2017 ـ 2018، وهي آخر ميزانية عامة للدولة سيناقشها مجلس النواب الحالي. لنتذكر قليلاً ما حدث عندما ناقش النواب الحاليون مشروع الموازنة العامة للدولة للعام الماضي والحالي بعد انتهاء الانتخابات التشريعية أواخر 2014، حيث كانت هناك مواجهات سياسية متعددة، ومزايدات مبالغ فيها استمرت حتى تم إقرار الموازنة في البرلمان قرب نهاية دور الانعقاد الأول بدرجة مقبولة من التوافقات. من المتوقع أن يبدأ دور الانعقاد الثالث خلال أكتوبر المقبل، وآلية الميزانية المعروفة والمقرة دستورياً وقانوناً تمت تجربتها للمرة الأولى في الموازنة الأخيرة، وبها سلبيات ولها إيجابيات أيضاً، وقد يكون من الصعب إعادة النظر في هذه الآلية الآن مع انتصاف الإجازة التشريعية، لكنها بحاجة لمراجعة جادة خلال دوري الانعقاد المتبقيين. مع ذلك، فإنه لا يوجد مانع من أن تبادر الحكومة بإعداد مسودة عامة تضم أسس ومبادئ الميزانية الجديدة التي يتوقع أن تستمر في إجراءات التقشف مرة أخرى، وقد تكون أكثر تشدداً فيما يتعلق بالمصروفات. على أن يتم تشكيل فريق حكومي للتعامل معها، ويبدأ بأقرب فرصة بالاجتماع مع النواب أثناء الإجازة التشريعية لتكوين تفاهم مشترك حول التفاصيل بدلاً من البدء في العملية بعد إحالة مشروع الموازنة إلى المجلس رسمياً. بعض النواب في مواقف حرجة من ناخبيهم، وموعد الاستحقاق الانتخابي يقترب يوماً بعد آخر، وهم بحاجة إلى رصيد انتخابي، وعوضاً عن ترك مشروع الميزانية لتلك الحاجات السياسية، يتم تقديم الأولويات الوطنية قبلها، ويربط ببرنامج عمل الحكومة الذي نالت الحكومة الثقة السياسية بموجبه طبقاً للآليات الدستورية. وعندما تتم الإحالة الرسمية لمشروع الميزانية من المتوقع أن تكون قد قطعت شوطاً كبيراً من الاتفاق والتوافق، وهذه الخطوات من شأنها أن تخفف من المماحكات السياسية التي تظهر عادة عند مناقشة الميزانية العامة للدولة. كذلك التعامل الإعلامي المختلف مطلوب، فغالباً ما تكون الموازنة موضوعاً مثيراً لوسائل الإعلام، وكذلك الرأي العام الذي ينشغل به شهوراً. ولم تتمكن الحكومة مع مجلس النواب من ضبط إستراتيجية إعلامية مشتركة لتنفيذها، فالتصريحات تختلف وتتناقض وكأنها معركة يحاول كل طرف فيها كسب نقاط جديدة، في حين أنها عملية دستورية ـ قانونية لإقرار أهم ميزانية في الدولة. وسائل الإعلام المختلفة بحاجة لبيانات واضحة مشتركة تمثل حقيقة النقاشات بين السلطتين، ويمكن بسهولة إصدار بيانات مشتركة فور بدء المفاوضات الثنائية لمناقشة الميزانية. الدولة ليست بحاجة لأزمة جديدة مفتعلة سببها أجندة خاصة، أو رغبات فردية يرغب أعضاء الغرفة المنتخبة من البرلمان تحقيقها. فالميزانية للجميع، ويجب التعامل معها وفق مصالح الجميع بعيداً عن أي أزمة.