خطت المملكة العربية السعودية قفزة إلى الأمام في المواجهة مع إيران مقتحمة الشأن الإيراني الداخلي بجسارة حين ألقى الأمير تركي الفيصل كلمته النارية في مؤتمر المعارضة الإيرانية في باريس يوم أمس الأول.
وتلك ورقة تمنعت المملكة العربية السعودية من استخدامها لعقود طويل كانت فيها إيران تستخدم كل ما تملك وما لا تملك من أوراق لمضايقة السعودية ومحاصرتها.
فلم تبق ورقة لم تستخدمها إيران ضاربة بعرض الحائط حتى بالمحظورات الشرعية والمحرمة كورقة الحج لم تتورع هذه الدولة المارقة عن استخدامها، وكذلك قضية القدس التي تصطبغ بالصبغة العقائدية في تراثنا هي الأخرى استخدمتها إيران «ورقة» لإدارة الصراع العربي الإسرائيلي وأرادت بها استمالة العرب السنة.
ماذا بقي إذاً من قيم ومبادئ أخلاقية لم تخترقها إيران وتدوس عليها من أجل تحقيق أحلامها الطاووسية؟ ما دون ذلك لم يعد مهماً، فهي قد خلعت برقع الحياء واستخدمت دون مواربة ورقة الشيعة العرب ودفعت من تبنى منهم عقيدة الفقيه الفارسية إلى خيانة أوطانهم وأمتهم العربية فباعوا أنفسهم للشيطان، محدثين أكبر انقسام شهدته الأوطان العربية منذ فجر التاريخ الإسلامي، ارتضى فيه جزء من الشيعة أن يكونوا خدماً وأتباعاً لزعيم فارسي لم يقبله أي عربي على نفسه في التاريخ الحديث.
كل ذلك والدول العربية تطالب وتناشد وتدعو إيران أن تتعقل وتمتنع عن استخدام هذه الأوراق الخطيرة، وإيران تتمادى وتتمدد حتى مدت رجلها وحذاءها في أربع عواصم عربية، واليوم آن الأوان أن ترى ماذا يعني أن يلعب الآخرون بأوراقك الداخلية.
إن الكلمة التي ألقاها تركي الفيصل لم تكن سوى ما يسمى بلغة أهل السينما «قريباً» على الشاشة، مجرد إعلان تشويقي لا أكثر ولا أقل لما سيكون قادماً. أما العرض الحقيقي فسيكون في الداخل الإيراني لأن بها من الأوراق التي يمكن للعرب استخدامها ما لا يحصى ولا يعد.
الأحوازية من جهة والأذربجانية من جهة أخرى تلك جبهات ساخنة لا تحتاج إلا لقليل من الدفع، ولنضع في اعتبارنا أن هذه الأوراق هي الأوراق الشيعية المضادة لإيران. أما الأوراق السنية فحدث ولا حرج، فمنها ورقة الأكراد والتركمان وعرب الساحل وبلوشستان وجميعهم ناشدوا الدول العربية دوماً لمساعدتهم والعرب يتمنعون تاركين مصيرهم تحت رحمة من لا يرحم في إيران، كل هذه الأوراق وغيرها من أوراق الأقليات المطحونة والإقليمية النائية في الداخل الإيراني تضاف إلى ورقة جماعة «مجاهدي خلق» الذين خطب ودهم تركي الفيصل أمس الأول وكلنا رأينا كيف كان استقباله، فما بالك لو دخلت السعودية بثقلها في جميع تلك الأوراق كما تفعل إيران؟! وما بالك لو كان ذلك ضمن تنسيق خليجي عربي يوزع الأدوار بيننا إعلامياً ودبلوماسياً وتمويلاً وتدريباً، ما بالك لو فتحنا إعلامنا على معارضيهم وفسحنا لهم المجال لإيصال الرسائل للداخل، ما بالك لو استضفنا معارضيهم ومولنا الحركات المناهضة لنظام الملالي في الداخل الإيراني، لو تحركنا على جميع جبهات حروب الوكالات لأضقنا الملالي أضعاف ما فعلوا بأراضنا.
لنذكر اللائمين والجبناء الذين ارتعبوا من جرأة السعودية، أن السعودية لم تختر المجاهرة بحرب الوكالات مع إيران إلا بعد أن استنفدت كل الوسائل قبلها، ولنذكرهم بأن المركب واحد والمصير واحد وعليه فلابد أن تسخر كل إمكانياتنا فهي قضية مصير، إيران لن تتخلى عن أوراقها التي تضغط بها علينا إلا مقابل أوراق نضغط بها عليها.