دقائق معدودات فصلت بين الخبر الذي بثته وكالة «رويترز» للأنباء الذي ذكرت فيه أن «7 أعضاء بمجلس الشيوخ الأمريكي حثوا وزير الخارجية جون كيري في رسالة، على الضغط على حكومة البحرين، كي تبذل المزيد لدعم الإصلاحات السياسية والاجتماعية»، وبين التفجير الإرهابي الذي وقع في منطقة العكر الشرقي وأدى إلى استشهاد المواطنة البحرينية فخرية مسلم وإصابة 3 أطفال كانوا برفقتها في السيارة إثر تعرضهم أثناء مرورهم لشظايا التفجير. غير أنه لم تمضِ سوى ساعات حتى كشفت الحكومة الأمريكية النقاب جزئياً عن غاراتها التي تشنها طائرات دون طيار بذريعة مكافحة الإرهاب، واعترفت بقتل 116 مدنياً بالخطأ في ضربات خارج مناطق الحروب والنزاعات الكبرى بين يناير 2009 وديسمبر 2015.
من يربط تلك الوقائع الثلاث ببعضها يدرك إلى حد ما الازدواجية الأمريكية في التعامل مع القضايا الداخلية والخارجية، خاصة قضايا حقوق الإنسان، ومدى التدخل الأمريكي السافر في شؤون الدول وبينها البحرين، والقلق الذي ينتاب الإدارة الأمريكية من أي قرار تتخذه الحكومة البحرينية لتحقيق الأمن والاستقرار لشعبها. وقد تزعم كتابة الرسالة لكيري السيناتور الديمقراطي كريس ميرفي ووقعها السيناتور الجمهوري ماركو روبيو والأعضاء باتريك ليهي ورون ويدن وبوب كيسي وكريس كونز وتيم كين. وقد سبق تلك الرسالة سلسلة من بيانات القلق الأمريكية تعليقاً على القرارات الأخيرة التي اتخذتها البحرين، لكن اللافت أن الحوادث الإرهابية التي تتعرض لها المملكة ربما لم تجد الصدى الكافي لدى الإدارة الأمريكية حتى تكف عن إصدار بيانات القلق، والمواقف المائعة التي تتخذها واشنطن في التعامل مع الأزمات في المنطقة، حيث تحرص على أن تمسك العصا من المنتصف، وذلك منذ تولي الرئيس باراك أوباما مقاليد الحكم، ناهيك عن دورها الرئيس في إدارة الصراعات وليس إنهاءها!
إذا كانت أمريكا قلقة على أوضاع حقوق الإنسان في البحرين، فماذا تقول في استشهاد مواطنة مسالمة، لم تقترف إثماً، سوى أن القدر ساقها أن تمر بسيارتها لحظة وقوع التفجير بالمنطقة فتتعرض للشظايا وتستشهد ويصاب أطفالها.
إذا كانت أمريكا تدافع عن حقوق الإنسان في البحرين، فلماذا قتلت 116 مدنياً بالخطأ خلال 7 سنوات في بلدان لا تخوض فيها حروباً ولا تصنف ضمن مناطق النزاعات الكبرى، أي أنه بحسابات بسيطة تكون الإدارة الأمريكية قتلت مدنياً واحداً كل 22 يوماً، مع أن ما أعلنته واشنطن أقل بكثير من تقديرات سابقة وحالية لمنظمات غير حكومية وجهات خاصة، أشارت إلى مقتل مئات المدنيين في غارات أمريكية بطائرات دون طيار في بلدان بينها باكستان واليمن والصومال. وربما هذا ما دفع فيدريكو بوريلو المدير التنفيذي لأحد المراكز المعنية بالمدنيين في مناطق الصراع إلى القول بأن «الأعداد التي نشرها البيت الأبيض ببساطة ليست منطقية ونحن محبطون من ذلك».
وقد اتفق معه في الرأي المحلل المتخصص السابق في شؤون الشرق الأوسط بوكالة المخابرات المركزية الأمريكية «سي آي إيه» بول بيلار والذي يعمل حالياً أستاذاً للدراسات الأمنية بجامعة جورج تاون حيث علق على التقرير بقوله «مازلنا نواجه السؤال الأساس: هل عدد الأشرار الذين تقضي عليهم غارات الطائرات بدون طيار أكبر أم أقل ممن يلهمهم هذا بالتحول لأعمال العنف؟!».
وقد شكك المحامي الباكستاني ميرزا شاه زاد الذي يمثل نحو 100 عائلة لمدنيين قتلتهم طائرات أمريكية دون طيار في صحة البيانات الأمريكية، مؤكداً أن «واشنطن بحاجة لتفسير المعايير التي على أساسها تحدد أن شخصاً ما مدني أم مسلح وهو أمر يصعب التحقق منه باستخدام كاميرا مثبتة في طائرة دون طيار».
وشن ميرزا شاه زاد هجوماً عنيفاً على إدارة أوباما متهماً الأخير بأنه قلق على إرثه كرئيس أمر بعمليات قتل خارج القانون لآلاف ونتج عنها مقتل عدد كبير في صفوف المدنيين، وكمحامٍ دستوري هو يعلم ما الخطأ في ذلك!.
بدورها، أكدت هينا شمسي المسؤولة في المنظمة الأمريكية للحريات المدنية أن «الإدارة الأمريكية تواصل إخفاء هوية الأشخاص الذين قتلتهم وكذلك التحقيقات حول أخطاء محتملة اقترفتها».
أما المسؤولة في منظمة العفو الدولية، نورين شاه، فقد أكدت أن «الإدارة الأمريكية مازالت بعيدة عن الشفافية على صعيد تطبيق حقها في القتل، ومازال الغموض يحيط بالمعايير المطلوبة لوصف شخص بأنه مقاتل متطرف، ولا نعرف ما هي الأدلة المطلوبة لهذه الإدارة، ومن الصعب جداً تقويم ذلك بالاستناد إلى الأرقام المقدمة لنا».
إذا كانت أمريكا قلقة على أوضاع حقوق الإنسان في البحرين وغيرها من الدول خاصة الدول العربية، فلماذا قتلت الشرطة الأمريكية 1130 مدنياً خلال عام 2015، بمعدل 3 مدنيين قتلوا يومياً، أي أنه قد تمت تصفية مدني واحد على يد قوات الأمن كل 8 ساعات، وفقاً للتعداد الذي نشرته وسيلتان إعلاميتان أمريكيتان، هما، صحيفة «الغارديان» بنسختها الأمريكية، وصحيفة «واشنطن بوست».
* وقفة:
متى تخلع أمريكا قناع الإنسانية الذي تحاول أن تقنع العالم به، خاصة أن ازدواجيتها في التعامل مع قضايا حقوق الإنسان تفضحها، لأنها نسبية من دولة لأخرى تتوقف على براغماتيتها ومصالحها؟ متى يقلق العرب على أوضاع حقوق الإنسان في أمريكا التي قتلت 116 مدنياً في غارات خارج مناطق الحروب والنزاعات وقامت شرطتها بتصفية 1130 شخصاً في الداخل خلال عام؟!