تغفل بعض الدول وربما تتغافل عن بعض الخلايا النائمة والأفراد الذين يشكلون مجموعات وتجمعات تحت مسميات رنانة ويخترق بعضها صفوف المعارضة، باعتبار أنها تعمل وفق الترخيص ورضى الحكومات، وربما يحدث نوع من التساهل، باعتبار أنها لا تشكل في الوقت الراهن خطورة أمنية فيتم التغاضي عن انحرافها وهذه السياسة التي تسمى بسياسة الاحتواء طفت على السطح السياسي، بعد تبني الولايات المتحدة الأمريكية ومن خلفها الماسونية العالمية فكرة تطبيق الشرق الأوسط الكبير، فخضعت واستكانت بعض الحكومات والدول التي كانت تتوقع أنه وباتباعها هذا الأسلوب ستتماشى مع متطلبات الهيئات والمنظمات الدولية الذراع الفاعل للدول الكبرى، والتي تراقب أداءها باعتبار أنها جاهدت نفسها ولبت مقررات ومتطلبات تلك الهيئات، ووفرت مساحة من الحرية تشغلها دوائر المعارضة والتي سوف تساهم بزعمهم في تصحيح بعض المسارات والمفاهيم والسلوك، ولتتماشى مع السياسة العالمية الجديدة، وستكون الدول بعدها ربما بمنأى عن النقد والتغيير. فوقعت بعض من هذه الدول في الخديعة الكبيرة والتي يصعب عليها بعد ذلك الانفكاك من شباكها.
ما سطرناه أعلاه لا نقصد به دولة وحكومة بعينها بل هي السياسة الرائجة في اختراق الدول التي تتمتع باستقرار أمني وسياسي واقتصادي وللدول الكبرى المصالح فيها، ويصعب عليها اختراقها دون مسوغ وربما هذا التوصيف ينطبق على بعض من دول الشرق الأوسط ومنها دول الخليج العربي القلب النابض في المشرق العربي.
الخطأ الكبير في هذه السياسة المهادنة التي ثبت فشلها، والتي تتمثل في استرضاء الأطراف الدولية وهيئاتها واشتراطاتها فقد أفرز ذلك المنحى في بعض الدول نتائج كارثية على الداخل وأربكت العملية السياسية وشتت عملها وأسقطت بعضها.
أما في حال تنبه الدولة لعظم المخطط وخطورته ومراجعة الدولة لحساباتها ومحاولة إيقاف من ثبت عمالتهم وتخابرهم وإعادة الأمور إلى نصابها، فستتعالى عليها الأصوات النشاز من كل جانب متهمين إياها بشتى الأوصاف والتعمد بحجب الحقائق بل قلبها لإظهار تلك الدولة وكأنها عدو للديمقراطية ومستبدة وظالمة لشعبها، وربما إن أصرت الدولة على موقفها في اتخاذ الإجراءات التي تعتقدها مناسبة للمرحلة والتحصين من الإرهاب بعد تصاعد وتيرة التحريض والعنف، فسيتحول الأمر إلى نوع من أنواع التحدي والذي ربما سيتطور إلى إدانات وقرارات بل حتى يصل الأمر لأروقة مجلس الأمن ومزيد من العقوبات والتوصيات. هذا هو بالضبط ما يحاك ضد بعض دول العالم الثالث المستهدفة وبدون مجاملة أو مناورة.
فأصبحت الدول المستهدفة أمام خيارين أحلاهما مر. وعليه فقد بات الملف الأمني والتعامل مع المعارضة المخترقة وما ينضوي تحتها من مجاميع وخلايا، والتي لم يعد مناسباً توصيفها بالنائمة هو من أصعب الملفات التي تواجه الدول والحكومات النامية فمن خلالها يتم اختراق الدول والتدخل وربما بث الإرهاب والفوضى بطرق إرهابية باتت ممنهجة ومعروفة في استهدافها لأماكن العبادة والأسواق وتخريب الممتلكات وحرق وقطع الطرقات، ثم تتحول تدريجيا لاستهداف الشخصيات الوطنية والخطف والتصفيات بطريقة احترافية والانسحاب دونما ترك أي أثر ثم رمي تبعات ذلك على الدولة وأجهزتها ووصفها بالقمعية وتسخيرالإعلام المضلل، ثم ما يعقبه من بيانات إدانة دولية وربما يتطور الأمر لتدخل سافر في الشؤون الداخلية تحت ذريعة حماية الطائفة وغيرها من الحجج التي باتت معروفة، فإن وصلت الأمور لهذا الحد فليعلم الجميع أننا قد وصلنا إلى نقطة اللاعودة، ولا ينفع معها أبداً الحلم والمجاملة وعفا الله عما سلف وانصلاح الحال والعودة للصف الوطني، فقد اختار الطرف الآخر وأسياده المبارزة وأعد لها عدتها، وكل يوم يمر دون رادع هو أقسى من قبله في حال إعطاء الجانب السياسي والدبلوماسي دوراً لرأب الصدع، في وقت لم يعد هنالك صدع بل هو بركان يزمجر ويبحث عن قشرة رقيقة ليثور منها.
فنحن أمام مفترق طرق فأما مجاراة الدول الكبرى وتطبيق توصيات اللجان والهيئات والمنظمات المسيسة والتي عملها هو أشبه
بعمل الطبيب المخدر الذي يزرق المريض بالمادة المخدرة، الذي قرر الجراح بتر أحد أعضائه ليجنبه الصراخ والألم، وليسهل عمل الجراح، وهو بالضبط ما تقوم به تلك الدول الكبرى والمنظمات الأممية التي تأتمر بأمرها وهدفها هو تطمين الدول التي تخطط للإيقاع بها وافتراسها من جهة وإطلاق يد المعارضة دون مراقبة ومحاسبة والتغطية على جرائمها وتبريرها وفسح المجال لها، لتتحالف وتتخابر مع من تشاء من الدول الأقليمية التي قد أوكلت إليها ولمصالح مشتركة ملفها من جهة أخرى، وهي لا تريد من الحكومات سوى الجلوس في مكاتبها وإبراق واستلام الرسائل التطمينية حتى يقع في نهاية الطريق الفاس بالرأس ولنصحى يوماً بعد زوال التخدير وقد سلب منا الوطن. أما الخيار الآخر فهو التوكل على الله والحزم وتدارك الأمور قبل الوصول إلى نقطة اللاعودة التي لا تنفع معها كل الحلول.
فأما الرضوخ والاستكانة ولننتظر بعدها الطوفان او التصدي للمخططات والدخول في مواجهة صعبة مع الأعداء والمتربصين، وذلك قرار ليس من السهل اتخاذه قبل رص الصفوف وبناء تحالفات قوية وتفاهمات إقليمية وربما نحن في الوقت الضائع لكنه هو الخيار الوحيد المتاح للمحافظة على بيضة الوطن.
وهذا الإجراءات الاحترازية يجب ألا تلغي دور المعارضة الوطنية والتي قلبها على الوطن، ولا ترتضي لنفسها العمالة فالحالة الصحية للدول التي تريد الاستقرار والبناء والإنماء هو حكومة تجد وتعمل ومعارضة تراقب، وتعترض على أي أمر يخل بمكتسبات المواطن ويهدد أمنه وسلامته، وهدفها الأسمى هو الارتقاء بالوطن لا الارتماء في أحضان أعداء الوطن.
نحن أمام تحدٍ ومصير بالغ الخطورة لا ينفع معه أن نجلس في مجالسنا وبيوتنا ونترقب ونترك الدولة تتحمل هذا العبء الثقيل الذي تنوء بحمله الجبال، فالحراك الشعبي مطلوب اليوم أكثر من أي وقت مضى، ولا نغفل تنشيط الحراك الإعلامي داخلياً وخارجياً وخاصة في أروقة الدول صانعي القرار، والتي قفز إليها منذ أمد بعيد الأعداء وقد شغلوا مقاعدهم وتمرسوا وتسيدوا المواقع الرسمية، وشكلوا جيشاً إلكترونياً موازياً لمجاميعهم وخلاياهم وميليشياتهم الإرهابية، ومن خلالها ينشطون ليل نهار بإيصال صورة قاتمة عن البلاد التي يخططون للانقضاض عليها.
شمروا سادتي عن عقولكم وصدوركم وحتى أناملكم وكل طاقاتكم وسخروا أموالكم رجالاً ونساء، كباراً وصغاراً، أفراداً ومؤسسات، هيئات ومنظمات، وكونوا رديفا للدولة ورجالاتها لعبور هذه المرحلة حتى يميز الله الخبيث من الطيب، «فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض».