الهوية البحرينية تتبدل الآن، ولن نشهد آثار تبدلها إلا بعد سنين طويلة، وقد لا يشهد الجيل الحالي هذه الآثار ويراها أبناؤنا خلال 30 عاماً مقبلة من الآن إن لم تكن أقل.
الهوية التي تلاعبت بها عوامل متعددة كان للمشاريع الإسكانية المختلفة دور هام فيها، والتطور العمراني اللافت منذ نحو عقد من الزمن ساهم كثيراً في تغيير التوزيع الديمغرافي للبلاد، وفي غضون سنوات سيصبح التوزيع نفسه مختلفاً عما نراه اليوم، فهناك مدن جديدة تعمل الحكومةعلى تشييدها، ومدن أخرى ينفذها القطاع الخاص، إضافة إلى ظهور أنماط جديدة من السكن باتت مقبولة لكثير من المواطنين في ظل ضغط الأزمة الإسكانية مثل البنايات السكنية بدلاً من المنازل.
المحصلة أن لدينا مدناً جديدة سينتقل إليها عشرات الآلاف من البحرينيين قريباً، تم تنفيذها من القطاعين العام والخاص، وأنماط جديدة من السكن مثل البنايات، ومناطق تعتبر بمقاييس اليوم قديمة لأن الأسر البحرينية غادرتها وتركتها للمقيمين الأجانب الذين صار عددهم أكثر من البحرينيين لأول مرة في التاريخ بحسب آخر تعداد سكاني.
هذه الأنواع الثلاثة التي تشمل طريقة السكن وأنماطه لها انعكاسات عميقة على الهوية الوطنية في البحرين. فالمدن الجديدة ستشكل هوية مختلفة، ومن الممكن أن تساعد كثيراً في بناء الهوية الوطنية الجامعة، ويفترض أن الهويات والانتماءات الفرعية فيها ضعيفة لأنها تضم سكاناً من مكونات مختلفة، إضافة إلى مقيمين أجانب، وهذه التركيبة تتميز بذاتية تذويب أي انتماءات فرعية سريعاً. أما المناطق القديمة التي سيبقى فيها عشرات الآلاف من الأسر البحرينية لفترة طويلة نسبياً من الزمن، فإن الانتماءات والهويات الفرعية ستظل قوية ومن الصعب استهدافها لبناء هوية وطنية أكبر، كما أن هناك تحدياً يتعلق بهذه المناطق، وهو تأثير تغلغل الأجانب على هذه المناطق بشكل سريع مما يؤدي إلى تزايد نقمة المواطنين على هؤلاء الذين سيزاحمون المواطنين في مناطقهم الأصيلة التي عاشوا فيها سنوات طويلة، وتظهر هذه المشكلة عندما تتغير أخلاقيات المنطقة وعاداتها بسبب وجود أجانب تختلف ثقافتهم عن ثقافة المواطنين.
أصحاب الهويات الفرعية في المناطق القديمة التي تغلغل فيها الأجانب بالإقامة سيصبحون من أكثر المواطنين رفضاً لكل ما هو أجنبي، ولا يستبعد أن يصابوا بالزينوفوبيا الموجودة الآن لدى شريحة واسعة من أهالي المحرق، وكذلك العاصمة بسبب التحوّل الديمغرافي الذي جرى في مناطقهم وما حولها.
إذا انتقلنا إلى نمط السكن الجديد وهي البنايات التي يتوقع أن تكون خياراً إستراتيجياً للسكن في المستقبل، فإنه من الصعوبة بمكان حسم تأثيرها على الهوية لأن ذلك يعتمد على طبيعة من يسكن هذه البنايات وشققها، فإذا تم توزيع سكن البنايات السكنية التي تشيدها الحكومة لكل أبناء منطقة، فإن مشكلة الهوية المشوهة ستستمر ولن تعالج لصالح بناء هوية وطنية جامعة.
البعد الإسكاني في معالجة أزمة هويتنا الوطنية مهم ولا يمكن تجاهله أبداً إذا كان هناك توجه لمعالجة انحراف الهوية بعد معالجة الانحراف السياسي.