وصلني من د. منى هبرة من سوريا التعقيب التالي على مقال «الذكاء الوجداني»: «نحن مبرمجون للأسف على ردود الفعل السلبية السيئة ولتستمر بشكل سلسلة، إلى أن تنقطع سلسلة المشاعر السيئة أو السلبية عند شخص ويبدأ بأخذ زمام المبادرة بدوره للتفاعل الإيجابي، هذا رجل بألف رجل، هذا الشخص الذي سيأخذ مشاعره ليتعرف عليها وبعدها يمنطقها ويفك شيفرتها وليغير الجزء السلبي إلى إيجابي، وليدع المشاعر السلبية، ثم تسقط مثل أحجار الدومينو واحدة تلو الأخرى، وتشرق الأمور من حولنا. هنا بالضبط ما يفسر حديث النبي عليه الصلاه والسلام «طوبى للغرباء»، ولما سئل من هم أجاب «من يحيون سنتي ويعلمونها للناس»، ما هي السنة التي يحيونها! سنة التعامل بالمعروف والأخلاق الحسنة ويعلمون الناس كيف يتمكنون من أن تصبح ردود أفعالهم حسنة، هؤلاء القادة الذين يصنعون التغيير»، انتهى تعقيب د. منى هبرة.
لماذا بعض الأفراد والقادة الإداريين ناجحون ويحققون قدراً كبيراً وعظيماً من التأثير في إداراتهم؟ أحد أهم هذه الأسباب المعدودة الرؤية الإدارية والتي تستند إلى حد كبير إلى مستوى الذكاء الوجداني لديهم حيث أجرى «روست» و»سيروتشي» في 2005 دراسة هدفت إلى تعريف العلاقة بين كل من الذكاء الوجداني والشخصية والذكاء المعرفي وكذلك فعالية القيادة، وأجريت الدراسة على 41 مديراً من المديرين التنفيذيين في إحدى الشركات الأسترالية العاملة في قطاع الخدمات العامة، وأظهرت النتائج أن هناك ارتباطاً قوياً بين أصحاب الذكاء الوجداني العالي وفاعلية القيادة، كذلك وجد أن الذكاء الوجداني يقدم تفسيراً للفروقات في الفعالية القيادية لم تستطع المتغيرات الأخرى مثل، الذكاء المعرفي، والشخصية أن تقدم تفسيراً لها.
مؤخراً تناقلت وسائط التواصل الاجتماعي عن الملياردير البريطاني ريتشارد برانسون أنه فاجأ موظفيه في مكاتب الشركة في أستراليا بزيارة لمقر عملهم لإلقاء التحيّة عليهم وللاطلاع على سير العمل، ليجد أمامه أحد الموظفين يغطّ في قيلولة على الأريكة، وعندها حاول إيقاظه، ولم يصدم بوجود مالك مجموعة فوق رأسه، وظن أنه يحلم وتابع نومه.
طبقاً للأعراف السائدة في أعمالنا من المفترض أن يتم يفصل هذا الموظف لخيانته الأمانة في وقت العمل وعدم مسؤوليته وتهاونه وعدم احترامه رئيس مجلس الإدارة وهو المالك أيضاً! وقد تقام عليه دعوى قضائية بالتعويض وتحمله مسؤولية بث ممارسة قاتلة لروح العمل، وبكل تأكيد نتيجة لعمله المستفز سيتلقى سيلاً من الغضب العارم من المالك الملياردير الذي يستطيع استبداله بكل بساطة بعشرات في لحظة وسيمتد هذا الطوفان من الغضب العارم إلى مشرفه ومديره اللذين قد يفصلان من العمل أو يوبخان بشدة لضعف إدارتهما ومراقبتهما ومتابعتهما للعمل وقد يمتد الأمر إلى التحقيق مع زملائه أيضاً المتخاذلين الذين تركوه نائماً أو سمحوا له بذلك ليكون الجميع عبرة لمن لا يعتبر ولمن يعتبر أيضاً حتى لا تسول للأخير نفسه.
ما فعله برانسون كان مغايراً تماماً، أخذ صورة مع الموظف وهو غارق في نومه ثم أيقظه ونشر الصورة على موقع الشركة وعلى حسابه على موقع «تويتر»، وبرر تساهله مع الموظف على موقع المجموعة قائلاً: «لكي نكون منصفين، الرجل كان على أهبة الاستعداد، وكان يبحث عن قسط من الراحة بحاجة إليه»، من وجهة النظر السابقة، برانسون لا يستطيع ضبط موظفيه أو السيطرة عليهم، طيب وساذج ومتساهل وصاحب أعمال ومدير فاشل، لكن للعلم تجاوزت في السنوات الأخيرة عائدات مجموعته التي أسسها من الصفر إلى 21 مليار دولار سنوياً، ويبلغ عدد موظفيه أكثر من 50 ألفاً وهي الآن واحدة من أكبر مجموعات الأعمال في بريطانيا.
ماذا فعل برانسون كي يستطيع السيطرة على نفسه في هذا الوضع المستفز لأي مدير لابد أنه تعامل مع نفسه ووطنها على التالي:
أولاً: الوعي بالذات، وتتمثل في القدرة على التعرف وتفهم الشعور الشخصي، ومعرفة الأشياء التي تستفزنا وتحفزنا، والثقة بالنفس وإدراك مصادرها، والموضوعية في تقييم قدراتنا وتأثيرها على الآخرين.
ثانياً: الوعي بالمحيط وإدارته وتتمثل في القدرة على التعرف كيف يشعر الآخرون والتعامل معهم وفقاً لاستجاباتهم العاطفية، وإدراك حساسيات الثقافات المختلفة، والكفاءة في تطوير وتحفيز العاملين.
ثالثاً: الإدارة الذاتية، وهي التحكم في السلوك الفردي والقدرة على التفكير المتأني، والتركيز على الحافز الذاتي لدى الفرد لتحقيق أهدافه بدلاً من التركيز على الحوافز المادية.
رابعاً: المهارات الاجتماعية، مثل القدرة الفعالة على بناء وقيادة فريق العمل والإقناع.
القائد الذي يتمتع بذكاء وجداني يكون ذا أداء أفضل في العمل، لديه القدرة على تحسين مستوى اتخاذ القرار، وعلى إدخال السعادة والثقة والتعاون بين موظفيه والتأثير عليهم من خلال علاقته الشخصية.
لريتشارد برانسون عبارة رائعة «اهتم بموظفيك ليهتموا هم بأعمالك»، قد تختزل هذه العبارة الكثير من ثقافتنا «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته».