لم تعد المعادلة السياسية صعبة للغاية بعد تكشفت كل الأوراق في المنطقة، فجماعات الحرب والكراهية باتوا أكثر وضوحاً اليوم؛ أصحاب النفط والدولارات ودعاة التقسيم وسماسرة السلاح والتيارات السياسية والدينية الراديكالية وكل دعاة الفتنة وأبواق التحريض الطائفي وبقية أدوات الموت والقضاء على النور كلهم يعيشون تحت الأضواء المكشوفة، فهذه الأمور لم تعد سراً في منطقة الشرق الأوسط بل وفي بقية أنحاء العالم. هذه المتغيرات والمعادلات السياسية لها أثر مباشر على واقع المجتمعات المحلية العربية، فمن نتكلم عنهم اليوم من دعاة الفتن ومن في حكمهم إضافة إلى المجاميع الإرهابية العابرة للدول والمجتمعات العربية والإسلامية ليسوا مخلوقات فضائية، وإنما هم نتاج هذه المنطقة الحبلى بالفوضى والتخلف والانحطاط، وما أسعف على تمدد تلكم الجماعات الإرهابية في عالمنا الشرقي هو وقوف بعض القوى الأجنبية التي تغذي هذا المد الخطير والذي وصل مداه إلى كل الأوطان العربية دون استثناء.
كما ذكرنا في مقالنا السابق ونكرره الآن، هو ضرورة أن يستنفر عقلاء المجتمعات العربية من السياسيين والدينيين كل قواهم في سبيل فرملة هذه المشاهد العبثية التي تقطر فوضى لا مثيل لها من قبل وكأنها فوضى تتساقط على رؤوسنا من فوق رؤوس الجبال، فالإرهاب والتطرف الديني وانشداد الكثير من المجتمعات العربية لهذه المجاميع الإرهابية المتطرفة ربما عطل دور حكماء هذه الأمة، ولهذا وجب أن يحيا هذا الدور بشكل كبير جداً، وأن يعود العقلاء إلى تسنُّم المشهدين السياسي والديني في موقف ينم عن وعي عقلاء هذا العصر من أجل تحييد المجتمعات العربية عن كل المعارك الخاسرة والمكلفة، وأن يتجه كل فرد عربي لبناء واقعه بعيداً عن كل التجاذبات السياسية التي تلهيه عن مستقبل هذه المنطقة، فمازالت الفسح الكبيرة للبناء متاحة للجميع بعيداً عن مهاترات السياسة والتطرف الديني، فاشتغال كل المجتمعات العربية بالسياسة جعلها في قاع العالم، في الوقت الذي لو اشتعلت معركة جانبية في دولة أوروبية لرأيت الفرد منهم يقوم بعمله وإتقان واجبه الوطني دون الانزلاق في أتون تلكم المعركة.
هذا الوعي بأهمية تجنيب المجتمعات العربية المشغولة والشغوفة بحب السياسة والمعارك السياسية بمختلف أصنافها ومراتبها هي من أهم واجبات الطبقة العاقلة في مجتمعاتنا الموتورة، فواجب العقلاء اليوم هو صون أرواح ودماء الناس والتمسك بالعقلانية والدفع باتجاه البناء واستشراف المستقبل، وهذا لن يتم إلا بمجموعة من التحركات القوية التي تضغط باتجاه وضع حدٍّ لكل أشكال العمى الديني والعبث السياسي في أوطان يجب أن يكون الوعي «لزيمها» قبل أن تهيم على وجهها لجهة ربما تقودها لنهاية تراجيدية مؤسفة قد تستيقظ من غفلتها لكن بعد فوات الأوان، فالعقل زينة لكل موقف من مواقف الفتنة التي يجب أن يكون الإنسان فيها كابن اللبون الذي لا ضرْعَ له فيُحلب ولا ظهر له فيُركب. أمَّا في البحرين فنتمنى ذلك بقوة، فهل وصلت الرسالة؟