في نظر المواطن العادي فإن البحرين تضم سنة وشيعة و»مجنسين»، وقليلاً من المسيحيين وأقل منهم بكثير من اليهود، إضافة إلى أقليات أخرى أقل حجماً.
مع المسيحيين الذين يتوقع أن يشكلوا أغلبية سكان البحرين خلال العقود المقبلة، لا توجد مشكلة، وكذلك مع الأقلية اليهودية، لأن الجميع لديهم قابلية مرتفعة للتعايش مع هاتين الجاليتين الأصيلتين في البلاد. لكن المشكلة فقط في العلاقات بين السنة والشيعة وما نجحت الجماعات الراديكالية في تسميتهم بـ»المجنسين» رغم عنصرية المصطلح.
تبدأ المشكلة أولاً في المسميات، فالمواطن يصنف دائماً بأصله ومذهبه أو دينه على أبعد تقدير، وفي مجتمع يشهد تحولاً سياسياً كبيراً منذ 15 عاماً فإن تسميات كهذه لا تخدم التحول الديمقراطي، لأنها تزيد من الهويات الفرعية ولا يمكن أن تسهم في بناء هوية وطنية جامعة. لذلك تكون مخرجات الإصلاحات نتائج ضعيفة تخدم الجماعات الأصغر ومصالحها، ولا تخدم مصالح الشعب البحريني برمته، وبمرور الوقت تكون الإصلاحات هشة ولا تتطور. ذلك هو تفسير الحاجة الاستراتيجية اليوم لإعادة تصحيح مسار الهوية البحرينية.
هناك جدران افتراضية من الاستحالة مشاهدتها بين مختلف مكونات المجتمع المحلي، لأنها جدران موجودة في أذهان الكثيرين الذين انساقوا وراء التصنيفات ونزعات الهويات الفرعية، ولم يفكروا يوماً بمخاطر تلك التصنيفات مستقبلاً وعلى الوحدة الوطنية، والتعايش السلمي.
الخطوة الأولى تبدأ بقياس ودراسة الهويات الفرعية من حيث قوتها ونفوذها، ثم الإسراع بتنفيذ خطة طويلة المدى، ونعني فيها طويلة المدى، لأن عملية بناء الهوية الوطنية تستغرق وقتاً طويلاً.
إجراءات بناء الهوية الوطنية يجب أن تركز على التعليم من رياض الأطفال وحتى المراحل الجامعية، وأن تصاحبها حملات علاقات عامة مؤثرة وفاعلة. فلا يعقل ألا تناقش مناهجنا الدراسية التنوع الذي يتميز به مجتمع البحرين حتى يصل رب الأسرة إلى حال من الحيرة لا يستطيع الإجابة على سؤال أبنائه عندما يسألونه لماذا يوجد سنة وشيعة في البحرين؟ أو يسألونه عن معنى «المجنسين» وهو مصطلح يجب العمل على إنهائه من المجتمع. عندما لا يقدر رب الأسرة على الإجابة على مثل هذه الاستفسارات، أو يخجل الأبناء من طرح مثل هذه الأسئلة فإنهم سيلجؤون لخيارات أخرى بديلة لن تتردد في تقديم الإجابات المطلوبة لهم، وقد تكون مثل هذه الخيارات الجمعيات السياسية أو المساجد والمآتم، أو بعض رجال الدين. ولن تكون الإجابات موضوعية أبداً، بل سيقوم كل طرف بتسويق تصوراته ومرئياته الخاصة التي تخدم أجندته في الإجابات لمن يسأله، أو لمن يتعطش لمثل هذا النوع من الإجابات.
وجود قانون وطني يحرّم استخدام الألفاظ العنصرية ويجرّمها بعقوبات صارمة خيار استراتيجي لا مفر منه، بحيث يتزامن مع البدء في التحول الثقافي لبناء الهوية الوطنية.