نعيش اليوم مرحلة جديدة انتقالية ننهي بها حقبة عمتها الفوضى خاصة في السنوات الأخيرة، أجلنا فيها قرارات حاسمة كان يجب أن تتخذ في مارس 2011، ترددنا في اتخاذها هو الذي ساهم في تفاقم الوضع وسوئه حتى أصبح مهدداً لأمن المنطقة كلها، نستذكرها معاً حتى لا نكررها.
أول تلك الأخطاء، أننا لم نحرص في 2011 على إيصال رسالة للداخل والخارج بأن بيت الحكم متوحد تجاه السياسة المحلية والخارجية، اعتقدنا أن «تنويع» الرسائل بين رموز الحكم وسيلة يمكن أن تسهم في خفض حدة التوتر، وهذه نية حسنة وتوجه محمود خاصة إذا كان الغرض نبيلاً، ويهدف للطمأنة، إنما مع الأسف كان ذلك خطأ تكتيكياً جسيماً، أدى إلى قراءة تلك الرسالة على غير الغاية التي أرسلت بها، إذ قرأت أن بيت الحكم مختلف في ما بينه -وهذا غير صحيح- وأن ذلك الاختلاف مدخل ممكن استغلاله لإضعاف القرار، وأن تلك ثغرة ممكن توظيفها، لذا نتمنى تدارك هذا الخطأ وتلك الثغرة في 2016 بتوحيد الرسالة من الجميع لا بتوزيعها وتشتيتها لسد باب المحاولات والاستغلال والتوظيف وليقرأ المشهد قراءة سليمة.
الخطأ الثاني، كان في سياسة الخطوة خطوة، وسياسة الفتور الذي يلحق الاندفاع، و«خطوة للأمام وخطوتان للخلف»، إذ كانت تلك السياسة سبباً في ترك جيوب للإرهاب آثرت الدولة «التريث» في معالجتها، إلا أنها سرعان ما نمت وأنبتت في السنوات الخمس الماضية بؤراً إرهابية جديدة، ظللنا نتعامل معها أمنياً فقط، حتى وصلت إلى ما وصلت إليه من تجرؤ على القانون، وأيضاً أوصل ذلك التذبذب رسالة خاطئة للداخل والخارج، أنه بالإمكان الضغط حين «يفتر» القرار ويهدأ ليبدأ من أراد الضغط بلعب دوره المحدد له، وهذا ما حدث طوال السنوات الخمس الماضية نتيجة للتردد والتذبذب في القرار، يتدخل «الناصحون» بالتريث، فتترك الجيوب ونعيد الكرة من جديد، نرجو ألا نكرر الخطأ اليوم، فنحن اليوم في موقع القوة والجميع معنا، والدعم والتأييد من كل صوب، فرصة ثمينة لا بد من اقتناصها، إذ لسنا على استعداد لترك جيوب تستلزم المعالجة كل خمس سنوات حتى ينفضّ مِن حولنا مَن أيدنا اليوم.
الخطأ الثالث، الظن خيراً في حلفائنا الغربيين، ولا ندعو لسوء الظن بهم من باب الانغلاق على الآخر وعدم الانفتاح على الخارج، وليست تلك مدرسة قديمة كما يظنها البعض، أبداً، إنما هي مدرسة واقعية سياسية معاصرة جداً جداً، ولنا في الشواهد الحية مثال.
«فحلفاؤنا» من جهة الغرب يعتمدون دائماً سياسة التعامل مع من يفرض نفسه على الأمر الواقع، بغض النظر عن طبيعته، ها هم يتعاملون مع بشار ويتعاملون مع إيران دون اعتبار لنزق تلك الأنظمة وإرهابها، رغم أنهم كانوا يصنفونها على أنها أنظمة إرهابية، إنما مادامت تلك الأنظمة قد فرضت نفسها وبقيت فهم سيتعاملون معها هذه «سياسة»، وتلك نصيحة بريطانية قديمة تعلموها بعد خسارتهم في ثورة مصدق وثورة عبدالناصر، حرصوا بعدها أن يبقوا على اتصال مع جميع الأطراف المتصارعة ثواراً كانوا أم أنظمة، ومن يثبت من هذين الاثنين سيتعاملون معه.
اتبعوها واتبعوا سياسة إضعاف كل الأطراف المتصارعة جنباً إلى جنب التواصل مع الاثنين، ومن يقرأ التاريخ سيذكر كيف تركت تلك الثورتان المؤرقتان لبريطانيا أثراً في سياستها تجاه البحرين في أحداث عام 1956 أيام الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة، حيث ثبت من المراسلات البريطانية أن الخارجية كانت تحث المقيم البريطاني في البحرين أن يبقى على اتصال مع أعضاء الهيئة الوطنية في الوقت الذي «يضغط» فيه على الشيخ سلمان للتهدئة وقبول «الحوار» معهم، إنه التاريخ يعيد نفسه، وهذه النصيحة والسياسة نقلوها للأمريكان أن يبقوا على البيض في السلتين وإضعاف الاثنين ثم المضي قدماً مع من يفرض نفسه أياً كان!! فلا يجب أن يغيب هذا المنطق السياسي عن ذهننا ونحن نستمع لنصائحهم.
ولو كانت «ثوارة» 2011 تحققت لنسفوا كل مصلحة أو صداقة أو تحالف مع الحكم في البحرين، حتى وإن كان عمره أكثر من 200 عام، ومضوا قدماً مع من طمأنهم على أسطولهم ومعاهداتهم من «الثوار»، ولن ننسى ما حدث، لذا فإن أية نصيحة أو أي تحسب لاقتناع حلفائنا أو مراعاة لقلقهم كما فعلنا في 2011 سيكون خطأ كبيراً، سينجم عنه تأخير في القرار، ولن يكون في صالح أمننا واستقرارنا، بل سيكون إضعافاً لنا وهذا ما يسعون إليه، إنهم يسعون لتهدئة القرار الآن وتبريده.
الخطأ الرابع، في 2011 كان التقصير في مخاطبة الخارج والتأخر في حراكنا وعدم رسمه والاستعداد له سبباً في عزلتنا الدولية، وها نحن نكرر ذات الخطأ.
صحيح أننا ندعو لعدم الانصياع لنصائح أحد والمضي قدماً في سياسة الحزم، إلا أننا لا بد أن نقوم بدورنا لشرح موقفنا وشرح سياستنا وحشد التأييد دون انتظار لاقتناع من أحد خارج البحرين، فمن اقتنع بها وأيدها أهلاً وسهلاً، ومن أبدى قلقه فذلك شأنه ولا يجب أن يؤثر علينا ذلك القلق، إنما لا بد من مخاطبة الخارج بخطاب يعكس الثقة في القرار. لذا نحتاج أن نتحرك لمخاطبة القنوات الرسمية الأجنبية والعربية كلها من حكومات وبرلمانات ووسائل إعلام، نستدعي السفراء نحرك بعثاتنا وقنصلياتنا وسفراءنا، نزودهم بالمعلومات، نبقى على طاولة العمل اليومية معهم بدوائر اتصال مفتوحة، ذلك ما لم نفعله في 2011، ليكن حراكنا في مخاطبة الخارج مواكباً لخطاب جلالة الملك شبه اليومي.
من لا يتعلم لا يتقدم واليوم تحرك قطار الحسم والحزم فلا نريد لأخطاء 2011 أن تعيق مساره.