حتى نهاية الثمانينات من القرن العشرين على الأقل لم تكن مصطلحات «سني، وشيعي» شائعة كثيراً في مفردات قاموس اللهجة المحلية، فالبحرينيون كما هم بتنوع أصولهم، وأديانهم ومذاهبهم. لكن حركة الاحتجاج السياسي العنيفة في التسعينات كرّست تلك المفاهيم، واستمرت إلى ما بعد الإصلاح عندما تحوّل القائمون على تلك الاحتجاجات إلى تنظيم سياسي مرخص، فعملوا على ترسيخ مفاهيم عنصرية بين السنة والشيعة، ثم مع مكتسبي الجنسية حديثاً وجميعهم مواطنون لهم نفس الحقوق والواجبات، وتسميتهم واحدة «مواطنون بحرينيون» فقط.
جزء هام من إشكالية هويتنا الوطنية أنها عانت من أزمات ثقة في التسعينات عندما حدثت مجازر طائفية مقيتة، وبعدها تلك الفكرة التي روج لها قبل عدة سنوات «السكان الأصليون». وفي أزمة 2011 سقطت شعارات «سنة وشيعة.. هذا الوطن ما نبيعه» بسرعة وسهولة لأن العقلية البحرينية كانت مهيأة جداً، ففكرة المواطنة الدستورية ليست حاضرة أبداً، بل الانتماء الأهم هو للأصل أو المذهب لا للبحرين.
في العام 2005 أجريت دراسة هامة حول الثقافة السياسية البحرينية وكشفت نتائجها مؤشرات الانتماء السياسي، وهي كالآتي: الانتماء الوطني 68%، والانتماء المذهبي 63%، والانتماء المناطقي وصل إلى 55%. تلك النسب بالفعل صادمة، لأنها تعطي مؤشراً على قوة الانتماءات والهويات الفرعية في البحرين، وغياب مفهوم المواطنة نهائياً.
إذن، الإشكالية ليست في وجود تنوع إثنو ـ طائفي في البحرين، بل في وجود هويات فرعية أقوى بكثير من الهوية الوطنية الجامعة، ولا توجد جهود لإذابة تلك الهويات الفرعية، ما يعني تحدياً كبيراً بدأ الآن وسيزداد مستقبلاً.
البدء في تصحيح الانحراف السياسي لا يعني الانتهاء من ذلك الانحراف، فهناك انحرافات أخرى يجب الإسراع في معالجتها وأولها انحراف الهوية. هدف هذا التصحيح البدء في تعويض ما فات من فرص لبناء هوية وطنية جامعة تقوم على المواطنة، تتراجع فيها قوة الهويات الفرعية، وهذه الهوية هي التي ستحافظ على الوحدة الوطنية لعقود قادمة، وهي التي ستتصدى لأي أزمة داخلية، أو تدخلات أجنبية، بدلاً من الانقسام السياسي الحاد الذي عانى منه المجتمع نتيجة أجندات الجماعات الراديكالية.
بداية التصحيح يجب أن تكون شاملة، بحيث يشعر المواطن بالدولة وسيادتها في كل مكان، بدلاً من تركها لتنظيمات أو رجال ثيوقراطيين يضللون الجماهير، ويمتلكون حق تشكيل هوية البحرينيين على أمزجتهم وأجنداتهم، هذه هي البداية، لكن المطلوب أكثر بكثير.
للحديث بقية..