خلال الأسبوع الماضي شهدت البحرين معالجة للانحراف السياسي الذي عانت منه طوال 15عاماً. وبعيداً عن تلك الأجواء وتداعياتها المختلفة، هناك حاجة ملحة للإسراع في علاج انحراف الهوية البحرينية من قبل الدولة.
هويتنا الوطنية تعرضت لتشويه قاس على عقد ونصف العقد، وهذا الملف المسكوت عنه دائماً ما يناقش بانفعال، وتبرز فيه نعرات عنصرية غريبة على مجتمع البحرين المتسامح.
مجتمعنا تعددي منذ قرون طويلة، وهذه حقيقة تؤكدها الجغرافيا السياسية لأي مجتمع جزري، حيث تتعدد فيه الأعراق والثقافات والأديان والمذاهب، وإلى حد ما العادات والتقاليد. لكن المظلة الأساس لهويتنا الوطنية هي الانتماء العربي والإسلامي الذي ثبته شعب البحرين في استفتاء الميثاق، ثم التعديلات الدستورية المختلفة.
تلك هويتنا لا جدال فيها، لكن حقائق العقدين الماضيين تكشف لنا تحولات هائلة في الديمغرافيا البحرينية، وهي تحولات لم تكن جديدة على المجتمع، بل شهدت البحرين منذ بواكير القرن العشرين تحولات مماثلة بهجرات عوائل متعددة من دول الجوار، وأخرى بعيدة إلى أرخبيل البحرين، وكثير منها اكتسب شرف الجنسية، وبات جزءاً أصيلاً في مجتمعنا الصغير. تحولات العقدين الماضيين ليست غير عادية، بل هي عادية، ولكن الجديد فيها، أن في عقود القرن العشرين لم تشهد البلاد انحرافاً سياسياً كما شهدناه مؤخراً. فالبحرينيون لم يبدوا أية اتجاهات عنصرية تجاه القادمين إلى أرخبيلهم، لكن وجود تنظيمات راديكالية متطرفة «مثل «الوفاق» المغلقة، و»المجلس العلمائي» المنحل» استطاعت زرع فكرة عنصرية لدى الرأي العام المحلي ليتحول كل مكتسب للجنسية إلى «متجنس»، بالتالي هو دخيل على المجتمع يجب محاربته والسعي إلى ترحيله، وتأصلت فكرة أخرى متزامنة تقوم على أن مكتسبي الجنسية حديثاً سيزاحمون «المواطنين الأصليين» في الخدمات العامة والثروة.
أفكارٌ دخيلة على المجتمع لم يثرها الآباء أو الأجداد سابقاً عندما قدمت إليهم من كل حدب وصوب أسر متعددة، وإن اختلفت معهم في الدين أو المذهب أو حتى العرق واللغة، واللهجة أيضاً. بل كان التعامل معهم هو التعايش بسبب الهوية البحرينية المتسامحة والتي تتسم بقدر عال من قبول الآخر والالتقاء في مساحة واسعة مشتركة.
تدريجياً نشأت بيننا هويات فرعية قاتلة، فصار الحديث ليس عن البحرينيين والمقيمين الأجانب، بل عن البحرينيين و»المتجنسين» وكأن هؤلاء ليسوا مواطنين.
بالتأكيد نشأت الكثير من المشاكل نتيجة التحولات الديمغرافية الأخيرة، وزادها تعقيداً وجود جماعات راديكالية متطرفة تسعى لإذكاء تلك النعرات العنصرية التي ترفض قبول الآخر، وتنشر الكراهية باسم الحقوق المعيشية ليكون المواطنون في صراع مفتعل بشكل دائم على مسارين، الأول مع الحكومة، والآخر بين بعضهم بعضاً، وهو صراع حول خدمات إسكانية، أو صراع حول رواتب، أو وظائف، أو بعثات، وغيرها من الخدمات والمكتسبات.
هذا الصراع البسيط في ظاهره، والذي لم يخل من العنف يوماً لم يناقش من منظور المواطنة، بل دائماً ما تتم معالجته إعلامياً عبر تغيير اتجاهات الرأي العام نحو ضرورة التعايش والحفاظ على الوحدة الوطنية، لكن تلك المعالجة غير مجدية تماماً، لأنها تحافظ على ديمومة وضع سياسي معقد سيتحول إلى صراع مستقبلي، وهو صراع ما بعد الطائفية.
للحديث بقية..