ساعات فصلت بين العملية الإرهابية الكبيرة التي شنها الأمريكي من أصل أفغاني عمر متين على ملهى ليلي يقصده مثليون في أورلاندو بولاية فلوريدا الأمريكية وأدت إلى مقتل 49 شخصاً وإصابة 53 آخرين، وبين الاعتداء الإرهابي الخطير الذي نفذه الفرنسي العروسي عبدالله عندما قام بطعن شرطي بثياب مدنية أمام منزله في منيافيل غرب باريس قبل أن يتحصن داخل منزل الضحية ويذبح صديقته التي تعمل سكرتيرة في مركز للشرطة، أمام طفلهما ذي السنوات الثلاث. والعمليتان الخطيرتان تبناهما تنظيم الدولة «داعش»، وقتل فيهما منفذا العمليتين، لكن ما يلفت الانتباه أن من قام بالعمليتين شخصيتان منفردتان، أعلنا تأييدهما لـ«داعش» وفي الوقت ذاته، لم يتلقيا مساعدة من أطراف أخرى، ما يطرح تساؤلات حول تهديد «الذئاب المنفردة» لأمن واستقرار أوروبا وأمريكا، وصعوبة مكافحتها، وإقرار بوجود اختراق لأجهزة الاستخبارات في الغرب، ولا يخلو الأمر من فشل أمني في تتبع تلك العناصر وملاحقتها ومنعها من ارتكاب جرائمها الإرهابية. ومصطلح «الذئاب المنفردة» يطلق على الأشخاص المنفردين الذين يدفعهم «داعش» لتنفيذ الاعتداءات حيث يتواصل التنظيم مع تلك العناصر المتطرفة عبر الإنترنت.
في العملية الإرهابية الأولى التي وقعت في أمريكا، تشير تصريحات مسؤولين في الأمن بينهم أحد مسؤولي شرطة أورلاندو رونالد هوبر إلى أن مكتب التحقيقات الفيدرالي رصد عمر متين، أكثر من مرة لكنه عجز عن ردعه، حيث استجوبته الشرطة الأمريكية بين عامي 2013 و2014، لكنها توقفت عن ملاحقته بذريعة أنها لم تعثر على أدلة تدينه رغم أنه مشتبه بعلاقته بتنظيمات متطرفة بينها «حزب الله» اللبناني و«جبهة النصرة» -ذراع تنظيم «القاعدة» في سوريا- وأخيراً «داعش»! وهو ما أكده هوبر بقوله «قابلنا شهوداً، وراقبناه، وتحققنا من ملفاته، ولكننا لم نتوصل إلى الحقيقة حول انتمائه فأغلق التحقيق»!
ولم تكن تلك هي الواقعة الأولى، وربما لن تكون الأخيرة، فقد عجز الأمن الأمريكي عام 2012 عن تتبع الأخوين الأمريكيين من أصل شيشاني جوهر وتامرلان تسارناييف والمشتبه بصلتهما بجماعات إرهابية، وما لبثا أن نفذا عمليتهما الإرهابية بعد عامين وتحديداً في 15 أبريل 2014، عندما فجرا عبوتين يدويتي الصنع بالقرب من خط وصول ماراثون بوسطن، ما أوقع 3 قتلى و264 جريحاً، وأوقفت الشرطة جوهر بعد ساعات على مقتل شقيقه على أيدي الشرطة، وحكم عليه بالإعدام. وربما هذا ما دفع الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى التأكيد على أنه لا «دليل واضحاً» على أن اعتداء أورلاندو تم تدبيره من الخارج، لكنه لم يستبعد فرضية تجنيد عمر متين واعتناقه التطرف عبر الإنترنت.
وفي العملية الإرهابية الثانية في فرنسا، لم يختلف الأمر كثيراً، ففي عام 2011 اعتقل العروسي عبدالله لمشاركته في خلية كانت تسعى لإرسال متطوعين للقتال في باكستان، وفي عام 2013 حكم عليه في تلك القضية بالسجن 3 سنوات مع وقف التنفيذ، ثم أفرج عنه بعد أن تبين أنه أمضى محكوميته خلال توقيفه الموقت. لكن ما يثير الاستغراب أن العروسي عبدالله كان قيد المراقبة من قبل أجهزة الأمن الفرنسية بل ومنذ مطلع العام الحالي ركزت الشرطة على علاقة محتمله له بخلية تجند الشبان للقتال في سوريا، قبل أن تعثر في منزله بعد ارتكابه جريمته على لائحة أهداف تضم أسماء شخصيات عامة أو مهناً معينة مثل موسيقيي راب وصحافيين وعناصر شرطة، وهو ما يؤكد فشل الاستخبارات الفرنسية في تطويقه رغم أن التحريات والشواهد تشير إلى أنه عنصر إرهابي خطير.
وهذا ما يفسر تعليق الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند على العملية بقوله إن «الاعتداء الذي وقع قرب باريس عمل إرهابي»، مؤكداً أن «فرنسا تواجه تهديداً إرهابياً كبيراً جداً».
وقد كشفت العمليتان الإرهابيتان كيف أن الاستخبارات الغربية ربما تجد صعوبة في تأمين البلاد من تلك الاعتداءات، خاصة وأن «الذئاب المنفردة» تستخدم أساليب مختلفة وتوقيتات متعددة، ربما يصعب على أجهزة الأمن في أمريكا وأوروبا توقعها، خاصة أن «داعش» مستمر في تجنيد تلك الذئاب لارتكاب الجرائم الخطيرة.
* وقفة:
تبدو أجهزة الاستخبارات في أمريكا وأوروبا أمام معضلة وعقدة قد ترقى إلى مهمة مستحيلة في تتبع «الذئاب المنفردة» ما يكشف عن ثغرات أمنية حقيقية واختراقات يستغلها «داعش» لتحقيق مآربه لزعزعة أمن واستقرار الغرب!!