خطأ كبير أن يستمر إعلامنا البحريني في لعب دور المدافع، كلما تطاول علينا حاقد، أو كلما أجحف حقنا جاهل، أو كلما أساء لنا عميل مشبوه.
ما أعنيه بالخطأ، أن نعطي هؤلاء حجماً من خلال الرد عليهم بأساليب حضارية وعقلانية، وبردود مليئة بالمعلومات والإحصائيات والأرقام والشواهد.
أقول بأن ذلك خطأ لسبب بسيط جداً، إذ هؤلاء لا يريدون أصلاً الاستماع لما هو منطقي وعقلاني، ولا يريدون أن يروا الحقيقة على الإطلاق، هؤلاء لديهم قناعات ثابتة، ولديهم بجانبها أجندة راسخة، وعليه مجرد محاولة النقاش معهم «مضيعة وقت».
والله لا أبالغ في القول هنا، من يرد عليهم متحاوراً ساعياً لرد الحجة بالحجة، هو من «يضيع» وقته، ويزرع في أرض قاحلة، والله ضياع جهد بكل ما تعنيه كلمة ضياع من معنى.
الشخص صاحب القضية المؤمن بها، حتى لو كانت قضية باطلة، من الصعب جداً إقناعه، أو ثنيه عما هو مؤمن به، ولو كان من النوعية التي غسلت أدمغتها، أو انغمست للعمق في العمل السياسي القائم على أجندات معينة، فإنه من الصعب «إقناعه» بأي شيء، يمكن للحائط أن يقتنع، لكن مثل هؤلاء لا يقتنعون.
البعض يتضايق من تصريحات تصدر بين الفترة والأخرى من مسؤولين وشخصيات تحسب على أنظمة، مصدر الضيق بأن مضمون التصريحات يكشف وكأن هؤلاء لا يعرفون حقيقة ما يحصل في البحرين، بينما في الواقع هم يعرفون تفاصيل التفاصيل، ويفهمون بالضبط ما يحصل، لكن تصريحاتهم وطريقة «لعبهم لأدوارهم» كلها مبنية على أساس اتجاه مصالحهم ومخططاتهم.
لذلك مع هؤلاء لا تضيع وقتك، لا تحاول حتى أن تتحاور معهم وأن تغلب معلوماتك وأدلتك على كلامهم المرسل، بل هؤلاء هم الذين لا يحتاجون لردود مهذبة منمقة، بل يحتاجون لردود قوية قاسية، تتحول من أقوال إلى أفعال.
من يتدخل في شؤون داخلية لبلد آخر، لا ناقة له فيه ولا جمل، أو هكذا يفترض، فإن الرد عليه لابد وأن يكون صريحاً ومباشراً، ووفق قاعدة «يا غريب كن أديب»، وإن واصل محاولاته «حشر أنفه»، لابد وأن يصرخ عليه بالقول أن «الزم حدودك»، وإن تمادى فالعرف يقول بألا بقاء له على الأرض المعنية، لأنه لم يحترمها ولا قوانينها ولا سيادتها، الطرد أقل إجراء محترم يتخذ بحقه، مع ضرورة مخاطبة نظام تلك الدول المحسوب عليها المسؤول، حتى «يلم» هذا النظام موظفيه.
أعود للإعلام وأقول بأن أسلوب الدفاع انتهى عصره، واليوم إما أن تكون إعلاماً قوياً لك نفس قوي ولهجة صارمة، وإلا فلا تنزلق لمنزلق خطير، يتمثل بسهولة استثارتك لترد وتفند وتدافع وتورد الأمثلة، وكأنك تسعى لتغيير نظرة «العدو» أو تحاول بالمقارعة واستخدام الحجج أن تصل لمرحلة «استتابته».
اليوم إن كان خطابك الإعلامي ضعيفاً، أو رخواً لا هوية قوية صارمة له، فإنك ستكون عرضة للعب في مصيرك سواء في «الميديا» التقليدية أو «السوشال» ميديا. ستكون هدفاً سهل المنال، ولن يحسبوا لك حساباً، لأنك أصلاً منشغل في رد الفعل، ولا وقت لديك أصلاً لتفكر في كيفية ابتكار الفعل أو أن يكون السهم الأول منطلقاً من جرابك.
مثال على ذلك ما صدر عن مساعد وزير الخارجية الأمريكية توم مالينوسكي، والذي بدا وأن هناك ممن ردوا عليه حاولوا أن يكون خطابهم متضمناً للحجج العقلانية أو الدلائل والإثباتات على جرائم علي سلمان، أو وكأنهم يخاطبون مالينوسكي على اعتبار أنه شخص «مغرر به» معلوماتياً!
هذا الأسلوب خاطئ تماماً، ففي الإعلام قبل أن توجه خطابك، لابد وأن تعرف تماماً إلى من سيوجه، ومن هو الشخص الذي يقف في الطرف الآخر، ما هي خلفياته، وما هي أجنداته.
وعليه الخطاب يختلف تماماً، حينما تكون ترد على شخص أوقعه جهله أو نقص المعلومات في مغالطات صريحة، أو مع شخص يعرف تماماً ما يحصل، لكنه يؤثر أن يكون «مساعد إرهابي» على أن يكون «مدافعاً عن حريات الناس» كما يدعي.
يخسر في البرامج النقاشية من يحاول أن يقنع خصماً متطرفاً عنصرياً متشدداً برأيه، من يحاول أن يستنطق الخصم بكلمة حق بناء على ما يقدمه من براهين وأدلة، لكن يكسر شوكة هؤلاء غير الأسوياء من يبادر إلى كسرهم إعلامياً، بخطاب قوي، وبشواهد توضح للناس المتناقضات، وبوضعهم في أصغر زاوية مثبتاً عليهم الاتهامات، وراداً على كل التبريرات.
الإعلام لم يعد مصدر ترف للناس، بقدر ما أصبح سلاحاً قوياً، إما يرفع أسهمك، أو يكسرك، ومعادلته الذهبية تثبت صحتها دائماً، بأن من في خانة الدفاع يخسر غالباً، وأن من يهاجم بقوة وصلابة ويقف على أرضية ثابتة، هو من يطوع الإعلام في يديه، ويحوله لمضرب يطيح به أسنان خصومه، خصوصاً أصحاب الأجندات والأفاقين وأهل المؤامرات والانقلابات.