قامت السفارة الإيرانية في رومانيا الأسبوع الماضي برعاية مؤتمر ينظمه معهد السياسة والاقتصاد في بوخارست بالتعاون مع EURISC، وقد قدم الإيرانيون خلال المؤتمر عرضاً لمركز التحكم والتخطيط في طهران لإدارة الكوارث، وخلال المؤتمر طرح الدبلوماسيون والأكاديميون الإيرانيون مبدأ ضرورة الحوار من أجل تحقيق الأمن العالمي.
السؤال الذي يطرح نفسه، لماذا إيران حين تذهب للغرب تقوم برعاية المؤتمرات والمنتديات وفي العالم العربي ترعى الميليشيات وفرق الموت؟ لماذا التصرف بشكل حضاري مع الغرب؟ ولماذا التصرف بهمجية مع العالم العربي؟ لماذا تتصرف كدولة حين تتوجه إلى الغرب؟! ولماذا تتصرف كثورة حين تتوجه إلى العالم العربي؟! لماذا تبعث مثقفيها ودبلوماسييها إلى البرلمان الأوروبي لطرح وجهات النظر الإيرانية بينما تبعث لنا عناصر من الحرس الثوري لإرهاب الناس ولتدريب الميليشيات على إخضاع محيطهم بالقوة وعلى زعزعة الأمن؟ لماذا تسعى لطرق التأثير الإيجابية حين تتوجه إلى الغرب بينما تسعى لوسائل التأثير السلبية والقصرية حين تتوجه إلى العالم العربي؟ ما هذه الازدواجية في التصرفات الإيرانية؟ وما الهدف منها؟ أهي لأنها ليس لديها نظرة فوقية تجاه دول المنطقة وشعوبها وتنظر أن لها الحق ولها الإمكانية لإخضاعها؟ هل لأنها دول إسلامية ترى أنها بإمكانها نشر نظرية «ولاية الفقيه» فيها، ولو لم تكن الفكرة مقبولة لدى شعوب المنطقة؟ قد يقول البعض إن الأمر يتعلق برياء الإيرانيين الذي يكذبون على الغرب ويدعون إلى التحضر، لكن في العالم العربي يقومون بتنفيذ مخططاتهم الهمجية بشكل مفضوح. ولكن أظن أن المسألة أكثر من مسألة رياء، فإيران لم تحسم خياراتها الاستراتيجية بعد، وداخلياً لم يتم الاختيار إن كانت تود أن تبقي على مشروع الثورة أو أنها تريد أن تتحول إلى دولة. وسنرى تلك التناقضات إلى أن تحسم إيران خياراتها. ففي السابق كانت إيران تتصرف كثورة بشكل متناسق فكانت تخطف المراسلين الأجانب وتقوم بعمليات إرهابية تستهدف أفراداً ومنشآت غربية وذلك تحت ذريعة راية الدفاع عن الحق الذي تتبناه الثورة. ولكن اليوم تتخلى عن هذه الأفكار فيما يخص الغرب، وأكبر دليل على ذلك غلاف سابق لمجلة «التايمز» الأمريكية يظهر فتاة إيرانية جميلة وعنوان المقال «إيران 2025 التغيير»، وذلك للدلالة أن اليوم ليس وجه إيران هو الإرهاب، ولكنه وجه جميل ونضر مماثل لوجه الفتاة على الغلاف. أما الوجه الذي تظهره إيران لنا هو وجه قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني الذي له ضلع في كل اقتتال في الوطن العربي. واليوم هناك تيارات في إيران ذات مزاج محلي هدفها تطوير إيران والرقي بمستويات المعيشة. ويرى أتباع هذا التيار في الاتفاق النووي فرصة للارتقاء بإيران حتى تلحق بركب الدول المتطورة. أما التيار الآخر المتمسك بالثورة فهو يرى أن الاتفاق مع الغرب يمثل فرصة لإيران حتى تتمادى في محيطها العربي وحتى تنشر عقائدها. ولذلك حتى تحسم إيران خياراتها الاستراتيجية سيرى العالم المزيد من التناقضات في التصرفات الإيرانية.