دراسات عديدة أجريت حول التدخلات الأجنبية في الديمقراطيات الناشئة أو في الدول التي تشهد تحولاً ديمقراطياً. معظم تلك الدراسات ركزت على تجارب التدخل الأمريكي في الديمقراطيات الناشئة في أمريكا اللاتينية، وهناك دراسات نادرة حول نفس الموضوع عن بعض الدول العربية.
هناك حاجة ماسة لدراسة جادة حول تأثير التدخل الأمريكي على الديمقراطية البحرينية. بعد سبعة شهور من الآن يكون عمر ديمقراطيتنا 16 سنة، وما يميزها أنها جاءت محلية الصنع ونابعة من رؤية جلالة الملك وتأييد ساحق من مختلف مكونات الشعب، بالتالي هي ليست كبعض الديمقراطيات المجاورة مثل الديمقراطية العراقية التي جاءت بالدبابات وبغزو أجنبي صارت نتيجته صراعاً طائفياً دموياً، ونشاهد نتائجه في هروب العراقيين سباحة في نهري دجلة والفرات هرباً من تلك الصراعات.
نحو 16 سنة مضت تطورت فيها الديمقراطية كثيراً، وفي نفس الوقت واجهت تحديات كثيرة كان أهمها تحدي التدخل الأجنبي، ومحاولة إسقاط النظام برمته. التدخل الأجنبي سواءً كان من إيران أو من الولايات المتحدة دائماً ما كان مصيره الفشل، كذلك محاولة إسقاط النظام.
ذلك الفشل المتكرر لا يعني أنه لا يمكن زعزعة النظام من الداخل، ولا يعني أن الأطراف التي تقف وراء التدخلات الأجنبية في الشؤون الداخلية للبحرين وديمقراطيتها الناشئة ستتوقف يوماً، بل هي تعمل من أجل أهداف ولتحقيق جملة من الأجندات. من هنا يمكن استنتاج مجموعة من الاستنتاجات الهامة حول التدخلات الأجنبية في الديمقراطية البحرينية سواءً كانت من طهران أو واشنطن.
التدخل الإيراني في الديمقراطية البحرينية اعتمد على التنظيمات الراديكالية التي تم دعمها سياسياً ومالياً وإعلامياً فحاولت تلك التنظيمات القيام بدور مشابه لما يقوم به حزب الله الإرهابي في بيروت، المقاطعة تارة، ثم المشاركة تارة أخرى، وبعدها الانسحاب التكتيكي، وآخرها استمرار المقاطعة حظيت بفشل ذريع.
أما واشنطن فإن تدخلاتها في الديمقراطية البحرينية تعتمد على طبيعة الظروف والمصالح، فإذا كانت الظروف والمصالح مواتية مع المنامة، فإن واشنطن تكون الداعم الأول في العالم لتؤكد أن ديمقراطية المنامة هي الأفضل على مستوى الوطن العربي، وعلى مستوى الديمقراطيات الناشئة. وعندما تختلف الظروف وتتبدل، تتحول هذه الديمقراطية لتصبح ديكتاتورية من وجهة نظر البيت الأبيض، فتتوالى التصريحات تلو الأخرى تنتقد الممارسات الديمقراطية، وبعضها يضغط بسبب ما يعتبره انتهاكات حقوقية.
إضافة إلى ذلك فإن واشنطن عملت باجتهاد على تجنيد عشرات البحرينيين عبر برامج مختلفة، أو استضافات داخل ولاياتها للتدريب أو الاطلاع على تجربة الديمقراطية الأمريكية ليكون المجند البحريني صورة نمطية للديمقراطية تختلف عن تلك التي يعيشها في بلاده، وحينما يعود يتحول إلى فئة أعداء الديمقراطية البحرينية.
لا يتوقف التدخل الأمريكي في ديمقراطية المنامة عند ذلك الحد، بل يتجاوزه ليصل إلى تمويل مؤسسات المجتمع المدني المحلية، حيث تجد الكثير من الجمعيات التي حصلت على دعم مالي أمريكي باسم «دعم الديمقراطية والحريات المدنية» تحولت إلى مؤسسات من فئة أعداء الديمقراطية البحرينية، مئات الآلاف من الدولارات الأمريكية حققت ذلك الهدف.
ما استعرضناه أعلاه مجرد قراءة بسيطة وغير معمقة في مظاهر التدخلات الأجنبية في الديمقراطية البحرينية، والموضوع يستحق دراسة أكثر.