قبل سنوات من وفاته، زار زعيم جنوب أفريقيا التاريخي نيسلون مانديلا دول مجلس التعاون الخليجي، وخلال هذه الزيارة الهامة بحث مع القادة الخليجيين مسائل عدة كان أبرزها قضية حقوق الإنسان.
موقف الراحل مانديلا كان واضحاً عندما أوضح أن حقوق الإنسان وصلت مرحلة متقدمة في الدول الخليجية، وعندما استفسر منه عن سببه هذه الثقة بإجابته اللافتة قال: هدف حقوق الإنسان تحقيق الحياة الكريمة للمواطنين، وأعتقد أن مواطني الخليج يعيشون مستوى أفضل بكثير مما هو موجود في الدول الغربية، حيث توافرت حقوق كثيرة، مثل حق الحياة، وحق الأمن، وحق السكن، وحق العمل، وحق الصحة وغيرها. تلك المقولة التاريخية من شخص استثنائي تعود بنا اليوم إلى الهجمات الغربية الواضحة ضد دول مجلس التعاون، تنتقدها حقوقياً، وتضغط عليها، ويصل الضغط إلى الابتزاز.
آخر فصول ذلك الابتزاز موقف مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون حقوق الإنسان توم مالينوسكي المطرود من البحرين سابقاً، حيث انتقد بشدة قرار القضاء البحريني بإدانة علي سلمان، وطالب بالإفراج عنه مهدداً بتداعيات لقرار الإدانة داخلياً وخارجياً.
ذلك هو الابتزاز عندما يصدر عن مسؤول أمريكي تحاول بلاده خداعنا بأنها فعلاً حليف استراتيجي، ويتدخل بوقاحة في شؤوننا الداخلية، ويمس القرارات السيادية لقضائنا الوطني. وكما قال بيان مجلس النواب، فإنه يتجاهل تردي الأوضاع الحقوقية في الولايات المتحدة التي وثقتها المنظمات الحقوقية الدولية، وباعتراف من المؤسسات الحكومية الأمريكية. رغم تفاوت القوة السياسية، والإمكانات والقدرات، إلا أن ذلك لا يعني الصمت على من يتدخل في شؤوننا الداخلية، لأن الصمت يعني السماح له بمزيد من التدخل والمساس بالسيادة الوطنية، إلى أن يبدأ تفتيت الدولة تدريجياً. شاهدنا ذلك في العراق، ثم سورياً، وكذلك في لبنان، وبلدان أخرى حول العالم.
البحرين للبحرينيين، وهم أولى بها من أي طرف أجنبي يحاول إثارة المشاكل فيها، أو يضغط عليها لأجندات سياسية معينة. تلك اللعبة المكشوفة باتت من الماضي، وظروف الصراعات الإقليمية والدولية لا تتطلب السكوت إذا تم المساس بمصالحنا الوطنية بمختلف درجاتها وأنواعها أبداً، فالسكوت دائماً مجاني، ولكن من سيدفع ثمنه هم أجيال المستقبل.