التقارير التي أعلنت عنها الأمم المتحدة بشأن الانتهاكات التي مارستها قوات عراقية ضد رجال وصبية عراقيين، أمر طبيعي في ظل خضوع تلك القوات وتواطؤها مع ما يسمى بميلشيات «الحشد الشعبي» المدعومة من إيران، وطالما إيران في «الموضوع» فإن الحدث سيغلب عليه النفس الطائفي البغيض دون أدنى شك.
الأمم المتحدة وعلى لسان مفوضها السامي لحقوق الإنسان الأمير زيد رعد بن الحسين أصدرت بياناً قبل أيام قليلة عن انتهاكات مارستها تلك القوات العراقية ضد مواطنين من أهل الفلوجة، وأكد المفوض السامي أن القوات العراقية تدعمها قوات أمنية – في إشارة إلى «الحشد الشعبي» – أجبروا مواطنين عراقيين على إجراء الفحص الطبي تحول في بعض الحالات إلى?? ??انتهاكات جسدية لانتزاع اعترافات منهم قسراً على ما يبدو بحسب وصف شهود.
تلك الانتهاكات التي التي وصفتها الأمم المتحدة في تقاريرها بأنها ذات مصداقية وأنها بـ»المحزنة للغاية»، جعلت الولايات المتحدة تشعر بـ»القلق» هي الأخرى، وقد عبر عنه المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية مارك تونر، الذي ألقى بالكرة في ملعب الحكومة العراقية وهذه الأخيرة تعهدت بتشكيل لجنة حقوقية للنظر في ما وصفتها بـ»الحالات المنعزلة لسوء التصرف».
السؤال المهم هنا، ونوجهه للحكومة العراقية، ماذا ستفعلين يا حكومة في هؤلاء الذين قتلوا صبية صغارا ورجالا حاولوا الفرار بأنفسهم من تنظيم الدولة «داعش» الذي يسيطر على الفلوجة ليلقوا حتفهم على أيدي مليشيات «الحشد الشعبي» الطائفية؟ هل ستقدمون هؤلاء الطائفيين للمحاكمة وهل سينالون عقابهم بسبب جرمهم؟! لا أعتقد ذلك، فهذه الميليشيات الطائفية تأتمر بأوامر «الولي الفقيه» في إيران، وهنا فقط سيتضح مدى عجز هذه الحكومة، فلن تنفعها لجنة التحقيق التي شكلتها للنظر في الانتهاكات، ولن تستطيع القصاص من ميليشيات «الحشد الشعبي» إنصافاً لمن قتلتهم تلك الميليشيات، وهم مواطنون أبرياء بينهم صبية صغار، لأن إيران لن ترضى بالمساس بـ «حشدها الشعبي» الطائفي، ونقول للحكومة العراقية: فاقد الشيء لا يعطيه، فلا داعي لكتابة سيناريو نعرف فصله الأخير مسبقاً.
أما بالنسبة لإيران فكم سهل عليها ممارستها ألاعيبها المعتادة، وهي تزوير الحقائق بهدف تحويل الأحداث لصالحها، والادعاء بكل سهولة بأن تقارير الأمم المتحدة غير صحيحة مثلا، وأن قلق الخارجية الأمريكية ليس له أساس، وأن «بركات» الحشد الشعبي نزلت في شهر رمضان، لإنقاذ أهالي الفلوجة من براثن «داعش»، وأنه لولا هذا «الحشد المبارك» لتمكن «داعش» من السيطرة على العراق كله، وأن من يطالب بإبعاد «الحشد الشعبي» هو «داعشي»، وربما ستبالغ إيران أكثر لتقول إن «حشدها المبارك» هو من منع «داعش» من اجتياح دول الخليج العربي، شخصياً لن أستغرب أبداً هذا الكذب والدجل الإيراني وتزييف طهران للحقائق، بل ودفاعها المستميت عن أكاذيب قد يظنها الكثير أن إيران «لا تنطق عن الهوى»، ولكننا نحن في البحرين ودول مجلس التعاون اعتدنا على أكاذيب إيران الدائمة ونعلمها جيداً.
وعودة إلى «واقع» الفلوجة، فماذا ستقول إيران أو حشدها الطائفي بشأن ما أعلنه المجلس المحلي لناحية عامرية الفلوجة؟ المجلس أكد على لسان رئيسه شاكر العيساوي وجود «تجاوزات وانتهاكات إنسانية خطيرة جداً ارتكبها «الحشد الشعبي» ضد المحتجزين من أهالي الفلوجة والصقلاوية ممن تم إطلاق سراحهم، حيث وجدت انتهاكات جسدية وكسور على أجسام من تم تسلمهم إحياء أو أموات من الميليشيات»، وطالب العيساوي «سحب قوات الحشد من المعركة» انتهى كلامه.
هذا هو واقع الفلوجة، وهذا هو جزء يسير من انتهاكات ما يسمى بـ «الحشد الشعبي»، وبالرغم من نداءات أهالي الفلوجة إلى الحكومة العراقية لوضع حد لتجاوزات «الحشد» ومحاسبة عناصره الذين ارتكبوا انتهاكات ضد المدنيين، إلا أنني أعتقد جازما أن تلك المناشدات لا طائل منها طالما إيران متحكمة في المشهد العراقي، وطالما قاسم سليماني قائد ما يسمى بـ «فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني»، قد وطأت قدمه أرض الفلوجة، فالأمر لن يكون خيرا لا للفلوجة ولا للعراق كله، فلكم الله يا أهالي الفلوجة فأنتم بين كماشتين، «داعش» من جهة، وميليشيات طائفية تسمى «الحشد الشعبي» من جهة أخرى.