ثمة تخبط لا يخلو من تناقض وتباين في سياسات نظام «ولاية الفقيه» في إيران، لا يمكن تبريره باعتباره «ثورة إسلامية» كما يزعم الملالي. ففي الوقت الذي يرزح فيه الإيرانيون تحت خط الفقر والقهر والظلم، يسعى النظام لامتلاك قنبلة نووية، الأمر الذي كانت نتيجته فرض عقوبات دولية على مدى سنوات، عانى منها الإيرانيون كثيراً، وبدلاً من أن يسعى نظام الملالي لتحقيق نهضة اقتصادية واجتماعية يظهر أثرها على المواطن، يجد الأخير نفسه لم يجنِ من ثورة روح الله الخميني بعد 37 عاماً، إلا حنظل الفقر المدقع، وسلب الحريات، وتكميم الأفواه. وفي الوقت الذي تسعى فيه الأنظمة السوية إلى النهوض بشعوبها واستغلال ثروات أوطانها بما يعود بالخير عليهم، نجد حكم «ولاية الفقيه» يستغل خيرات إيران من أجل تصدير الثورة الخمينية إلى الخارج، ليس هذا فقط بل يلجأ إلى التدخل في الشؤون الداخلية لدول الجوار بوجه خاص، ودول المنطقة بوجه عام، من أجل مغامرات توسعية، هدفها زعزعة الأمن والاستقرار. ولا يتوقف الأمر عند ذلك الحد بل يشارك في حروب لا ناقة له ولا جمل بها، ليس من تفسير لها، إلا من أجل أن يثبت أركان نظامه في تلك الدول. يدعم «حزب الله» في لبنان، فيصبح دويلة مسلحة داخل الدولة، لينقلب على الحكم. يشارك في الحرب السورية منذ عام 2011، دعماً لنظام الرئيس بشار الأسد -الرئيس المعين بالقوة وليس المنتخب بإرادة الشعب السوري- ويتدخل في العراق فيتحكم في مقدرات شعبه، ويهيمن على قادته، عبر سيطرته على الحكومات الشيعية المتعاقبة. يسلح المتمردين الحوثيين في اليمن من أجل الانقلاب على الشرعية. يسعى لزعزعة استقرار أمن الخليج، بكل ما أوتي من قوة، عبر خلاياه النائمة في الداخل، وإرسال الأسلحة والمتفجرات من الخارج، ودعم الإرهاب بعملياته المختلفة، خاصة في البحرين، فعن أي إسلام يتحدثون، وبأي ثورة يتشدقون؟!
خلال الـ24 ساعة الأخيرة صدرت تصريحات من مسؤولين وقيادات في نظام «ولاية الفقيه» تبين مدى التخبط والتناقض والتباين، وكيف أن ذلك النظام لا يعبأ بشعبه، ولا يعنيه أمر عشرات الملايين الذين هم بحاجة إلى نهضة ورعاية، فمن حقهم أن ينعموا بخيرات وثروات بلادهم، التي يبددها النظام الإيراني على حسن نصرالله، وعبدالملك الحوثي، وبشار الأسد، ونوري المالكي، وحيدر العبادي، وإبراهيم الجعفري، ومقتدى الصدر.
وفي الوقت الذي قدم فيه وزير الداخلية عبدالرضا رحماني فضلي ووزير الصناعة محمد رضا نعمت صورة متشائمة وقاتمة حول الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها إيران، يكشف قائد الحرس الثوري الإيراني السابق، العميد محسن رفيق دوست، عن نيات الحرس الثوري تأسيس الحرس الثوري العراقي، بينما يتحدث قائد القوات البحرية في الحرس الثوري العميد علي فدوي، عن أن قواته تدرب عناصر أجنبية في جزيرة فارور قبالة الجزر الإماراتية المحتلة!
وببساطة يمكن أن نربط تلك التصريحات بالزيارة التي قام بها الشهر الماضي وفد من قيادات ميليشيات «الحشد الشعبي» الشيعية في العراق، لإيران، حيث أجرى مفاوضات مع مسؤولين إيرانيين، وهو الأمر الذي كشفه عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني محمد صالح جوكار لوسائل الإعلام عن مفاوضات أجراها قائد «سرايا الخراساني» علي الياسري لتشكيل الحرس الثوري العراقي بمباركة إيرانية!
وبدلاً من أن يوجه النظام الإيراني جل همه لمعالجة أزماته الاقتصادية والاجتماعية في الداخل، نجده يضرب بتلك الكوارث عرض الحائط، ولا يعير لها أي اهتمام، بل يسعى لتأسيس حرس ثوري عراقي ويؤجج التوتر في المنطقة بإعلان العميد فدوي، أن قواته تدرب عناصر أجنبية في جزيرة فارور قرب الجزر الإماراتية المحتلة في مياه الخليج العربي، وهذا يضاف إلى سلسلة تصريحات المسؤولين الإيرانيين حول تدريب عناصر أجنبية، خاصة بعدما أعلن قائد الحرس الثوري الإيراني اللواء محمد علي جعفري قبل فترة أن قواته لديها 200 ألف مقاتل في 5 دول بالمنطقة!
في المقابل، حينما نتطرق إلى الداخل الإيراني، نجد أن تصريحات وزير الصناعة الإيراني تشير إلى كارثة في القطاع الصناعي في إيران منذ عام 2012، بفعل العقوبات الاقتصادية الدولية بسبب برنامجها النووي المثير للجدل، وهو ما جعلها تحتل المرتبة الـ106 من بين 129 بلداً بحسب تصنيف الازدهار الاقتصادي للدول.
وما يزيد الطين بلة، ويكشف عن سوءات النظام الإيراني، التقرير الذي قدمه وزير الداخلية الإيراني إلى مجلس الشورى حيث كان صادماً، وهو يتناول الوضع الاجتماعي والاقتصادي المأساوي الذي يرزح تحته المواطن الإيراني، وهو محروم من أبسط إمكانيات الحياة البسيطة، بينما النظام ينفق أموال الشعب ومقدراته وثرواته من أجل تصدير الثورة الخمينية للخارج وزعزعة استقرار المنطقة. تقرير فضلي أكد وجود 11 مليون مواطن فقير يعيشون في الأحياء العشوائية بضواحي المدن الكبرى، و3.5 مليون عاطل عن العمل، بالإضافة إلى اعتقال 600 ألف مواطن كل عام بتهم مختلفة، حيث يحكم على 200 ألف منهم بالسجن لفترات متعددة. لكن ما يلفت الانتباه في التقرير ما ذكر حول وجود 2700 منطقة عشوائية في البلاد أغلبها في المدن الكبرى خاصة طهران ومشهد والأحواز. ولم يتوقف الأمر عند ذلك الحد، بل رصد التقرير أيضاً معدل البطالة التي وصلت في بعض المناطق بالبلاد إلى 60 %، ما أدى إلى تفاقم الجريمة وإدمان المخدرات نتيجة البطالة، كما كشف التقرير وجود 1.5 مليون مدمن للمخدرات في إيران، وقد اعتبر التقرير أن تلك الآفة الخطيرة مسؤولة عن 50% من حالات الطلاق في البلاد.
* وقفة:
الإيرانيون يحصدون حنظل ثورة الخميني طالما ارتضى نظام «ولاية الفقيه» أن ينعم بسوءاته وتبقى البلاد متأخرة 30 عاماً عن معالجة مشاكلها الداخلية، وكان من المفروض على الحكام الملالي، حل تلك القضايا والمشاكل واستغلال ثروات البلاد كي ينعم بها الشعب الفقير، قبل 3 عقود من الآن!!