جاء في الأخبار أن فلاناً، العقيد في الحرس الثوري الإيراني قتل خلال مواجهات عسكرية في سوريا، وبحسب بعض الفضائيات ارتفع عدد القتلى من العسكريين الإيرانيين في سوريا إلى نحو ثلاثمائة. وجاء في الأخبار أيضاً أن عسكرياً آخر لقي مصرعه في سوريا مع العقيد من دون أن تذكر رتبته، وقبلهما بيوم أو يومين ورد خبر عن مقتل قياديين من الحرس الثوري تم نشر اسميهما، في العراق أيضاً قتل عسكريون إيرانيون كثر، وهم يقتلون يومياً ولكن لا يتم الإعلان عنهم.
أخبار القتلى الإيرانيين صارت تعلنها وكالات أنباء إيرانية، فقد صار أمراً عادياً أن تعلن هذه الوكالات عن هذا بعدما رفعت الحكومة الحظر عن نشر هذا النوع من الأخبار إثر انكشاف أمرها ومعرفة كل العالم أن لها تواجداً عسكرياً في سوريا والعراق وأنهم ليسوا «مستشارين عسكريين»، كما ظلت حكومة الملالي تردد كلما طلب منها الرد على الاتهامات التي توجه إليها عن مشاركة إيران بقوات عسكرية في هذين البلدين العربيين.
ضباط وجنود إيرانيون يلقون مصرعهم في العراق وفي سوريا وفي لبنان «وربما في اليمن ولكن لايزال ممنوعاً الإعلان عن ذلك»، والحكومة الإيرانية لاتزال تصر على أن وجود هؤلاء في هذه البلدان هو لتقديم المشورة وأنهم لا يشاركون في المعارك، وهي ستظل تصر على هذا القول حتى بعد تجاوز قتلاها الألف، بل ستستمر في تمسكها بهذا القول حتى بعد انتهاء معركة الفلوجة التي صار العالم كله يعرف أن من يقودها إيرانيون وأن الجنود الإيرانيين يشاركون فيها بسخاء.
من هنا ينبري السؤال قوياً عن أسباب تضحية حكومة الملالي بهذه الأعداد من ضباطها وجنودها وعن أسباب استمرارها في المشاركة في هذه الحروب التي من الواضح أنها ستستمر طويلاً وستأكل الكثير من ضباطها وجنودها؟
ليس السبب كما قد يعتقد البعض طائفياً، وإن تمكنت الحكومة الإيرانية من دفع الكثير من الإيرانيين إلى المعارك بعد إيهامهم بأن «المذهب الجعفري» في خطر، فإيران لا يهمها المذهب ولكنها تستغله لمصلحتها ولتحرك به العامة من مواطنيها وتتمكن من التحكم فيهم. السبب الحقيقي وراء تضحيتها بمواطنيها -العسكريين والمدنيين- هو ليكون لها موطئ قدم في هذه الدول أو بالأحرى أن تمنع الدول الأخرى من أن يكون لها موطئ قدم فيها، حيث الواقع يؤكد أن إيران هي الحاكم الفعلي اليوم في العراق وسوريا بعدما سيطرت وبشكل كامل على النظامين فيهما.
إيران تزعم أن ما تقوم به اليوم في سوريا والعراق «دفاعاً» عن حقها فيهما أو بالأحرى دفاعاً عن أراضيها، وبالتالي فلا غرابة أن توفر ما تتطلبه المعارك فيهما من جنود بمختلف الرتب العسكرية، ولا غرابة أن تضحي حتى بأكبر عسكرييها وأكثرهم خبرة، ولا غرابة أن توفر كل ما تحتاجه المعارك من أموال ودعم إعلامي.
أعداد القتلى الإيرانيين في سوريا والعراق في ازدياد، وقد ورد أثناء كتابة هذا المقال خبر يقول «مقتل ضابطين من الحرس الثوري الإيراني خلال اشتباكات بالقرب من حلب»، والغالب أن خبراً آخر عن مقتل ضباط من الحرس الثوري الإيراني قد وصل قبل قراءة القارئ لهذا المقال أو أثناءه، والأكيد أن الفاصل بين قراءة القارئ لهذا لمقال وورود خبر جديد عن قتلى جدد من الحرس الثوري لن يكون طويلاً، فما لم تنتبه إليه إيران هو أن إقحام نفسها في قضية ليست قضيتها لا يمكن أن يكون من دون مقابل، وما لم تنتبه إليه هو أن سيطرتها على رموز النظامين في سوريا والعراق لا يعني أبداً سيطرتها على الشعبين فيهما، فهما لها بالمرصاد.