استغربت مواطنة من ترديد بعض المشجعين الرياضيين لعبارات طائفية خلال تشجيعهم فريقهم المفضل أثناء إحدى المباريات، هذا السلوك الغريب والشائن لم يظهر من فراغ، بل هو امتداد لتحولات الجغرافيا الطائفية التي تعاني منها منطقة الخليج العربي في ظل الصراعات المعقدة منذ سنوات. تحولات الجغرافيا الطائفية في الخليج صارت سريعة منذ العام 2003، وكوّنت ثقافة جديدة، هي ثقافة تترسخ مع الوقت ليصبح الانتماء للمذهب هو الأصل، وليس الانتماء للدين، أو الانتماء للوطن نفسه. تلك الثقافة المصطنعة هي أخطر بكثير من إيران الراديكالية أو «حزب الله» الإرهابي أو «داعش» المتطرفة، لأن مخرجات هذا النوع من الثقافة هو هدم الدولة الخليجية تدريجياً أو متى ما حانت الفرصة. والهدم هنا سيكون من الداخل وليس من الخارج تصاحبه نزعات متطرفة لا حدود لها. معطيات الجغرافيا الطائفية فرضت على المواطنين تحولاً ثقافياً مهماً، وهو تغيير مفهوم الوطن ليظهر لنا جيل مختلف، لا يرى في مجتمعه دولة، ولا يرى في حكومته دولة، ولا يرى في منطقته دولة، بل الدولة في نظره هي المذهب والانتماء الطائفي الأضيق. هكذا تمت صناعة جيل جديد من شباب الخليج لا يرون في الدولة مظلة لانتمائهم الرئيس، بعد أن صار الدفاع عن المذهب أمراً مقدساً، وأولوية على الدفاع عن الدين أو الأرض، لأن الأول يعكس معركة وجود يجب حسمها.
يتغذى الجيل الجديد من الشباب الخليجي على خطاب ديني منظم للغاية يتعرض له نهاية كل أسبوع في المسجد أو المأتم على يد رجال دين متطرفين لم يتم إيقاف نشاطهم التعبوي نهائياً، أو خلال الأسبوع عبر شبكات التواصل الاجتماعي حيث ملايين البيانات تتدفق على مدار الساعة من جيب الفرد الأيمن إلى جيبه الأيسر من هاتف ذكي إلى آخر دون أن يشعر بذلك، بل لا تتاح له الفرصة للتأكد أو تقييم دقة المعلومات التي تصله أو التي يطلع عليها كل يوم. قد لا نشعر بهذا الجيل المختلف الذي شكلته الجغرافيا الطائفية في الخليج، لكن مظاهره واضحة ويمكن مشاهدتها في كل مكان بسهولة. وهو الجيل الذي سيتولى إدارة مستقبل دول مجلس التعاون خلال ربع قرن من الآن، ويمكننا تصور حجم التوجهات التي يمكن أن تتم آنذاك، والمستقبل الذي ينتظر المنطقة.
إذا لم تتوقف الدولة الخليجية عند هذا التحدي، وتنظر إليه على أنه أولوية وخطر مستقبلي لا يمكن التساهل معه، فإن الأيام القادمة مستقبلاً ستكون حبلى بمزيد من الإرهابيين والمتطرفين الذين سيعيثون في الخليج دماراً.