تهل علينا قريباً أجمل ثلاثين يوماً في السنة، أجمل الأيام المباركة التي تحمل من موازين الحسنات الشيء الكثير، مجرد أن الله مد في عمرك لتبلغ أيام خير شهور السنة، يعد ذلك مكرمة غالية ما بعدها مكرمة، أمام اختياره عزوجل قبض حياة الكثيرين ممن تعرفهم أو تسمع عنهم.
لو تأمل البعض من حوله لوجد أننا في زمن يقتطف الموت فيه صغار السن قبل الكبار، والشباب قبل العجائز، وأنه لا ضمان لك لأن تصبح يوماً وتمسي وأنت على قيد الحياة، أسمع أخباراً وقصصاً عديدة عن الموت، وكيف يداهم فجأة البشر، كشاب خرج وسافر في رحلة بالبر، وشاء الله أن يتوفى في حادث سيارة مفاجىء، أو كقصة شاب كان يسير في الشارع وفجأة سقط مغشياً عليه وتوفى! أو شاب تعرض لجلطة مفاجئة ومات أو آخر نام ولم يصحُ واكتشفوا أنه تعرض لهبوط وتوفى، أو فتاة تعرضت لزكام وارتفاع في درجة الحرارة وفجأة رحلت عن الدنيا!! لاحظوا أن هناك عبارة تقال دائماً أمام بعض مآسي موت الفجأة «مافيه شي كلش، مرة وحده تعب وأغمى عليه ومات!! أو مرة وحده مسك قلبه وطب»، سقط «ورحل في غيبوبه لمدة يومين وتوفى!» .
كثير منا قد لا ينتبه وهو يودع أواخر الأيام المباركة في رمضان، ويضيعها ويبددها في السهر و»الغبقات الشكلية»، وليالي الطرب في الخيام الرمضانية، وغيرها من مظاهر «تمتص» الكثير من بركة ساعات هذه الأيام وتضاعف السيئات، بدل أن تمحوها، إنه قد لا يشهدها في الأعوام المقبلة حيث قد يقدر الله ألا يمده بالعمر إلى رمضان القادم أو يحرمه من بركاته!
أعرف أناساً كثيرين يقاطعون التلفاز طيلة فترة شهر رمضان إدراكاً منهم أن المسلسلات والبرامج «لاحقين عليها»، لكن بركة الأيام خلال هذا الشهر الفضيل وما تحمله من كنوز ثمينة تجعل رصيد المسلم في الحسنات بالملايين والمليارات لا يعوض.
رمضان محطة جميلة لتجديد الكثير من المعاني الدينية في داخلك قبل أن تلمحها في الأجواء من حولك، هو شهر ليس للسهر أمام شاشات التلفاز ومتابعة برامج المسابقات والحلقات والمسلسلات ومطالعة الجديد منها بل والتفاخر بما تتابعه وتروح تحكيه كما تفعل بعض الفتيات عادة، حينما تجلس تعدد عدد المسلسلات التي تتابعها بل وتناقشها مع الأخريات وتروح معهم في مسابقة تقييم «الا هالمسلسل قصته حلوة لا هالمسلسل بايخ وما عجبني»!
رمضان شهر يمر عليك مرة واحدة كل عام لاغتنام الفرص فيه، ومحو كثير من الذنوب والسيئات بالعبادات، خاصة العبادات التي لا تقام إلا فيه، كقيام الليل وعمرة رمضان، التي يعادل أجرها أجر حجة مع رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام، وصلاة التراويح، وليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، ولا ننسى أن دعوة الصائم عند إفطاره مجابة، شهر تستجاب فيه الدعوات لما فيه من كثير من الأوقات المباركة، شهر يمنحك الكثير من الفرص لمراجعة نفسك ونمط حياتك وعلاقتك مع الله ودينك، من رمضان الذي مضى إلى رمضان الذي سيقبل علينا بعد عدة أيام، يفتح لك الكثير من أبواب الخير والرحمة والعاقل هو من يغتنم الفرص ولا يبدد أي لحظة منها في أمور ثانوية أو سطحية تافهة لا قيمة دينية ولا علمية ولا ثقافية تضيف له أو تخدمه في حياته وآخرته.
رمضان فرصة لهندسة طاعاتك وعباداتك على النحو الذي يجعلك تقترب خطوات أكثر إلى دروب الله وتبتعد عن الدروب التي تبعد عنك الحسنات والبركة والخير والرزق، فرصة لمقاطعة كل الأعمال التي تجعلك من ضعفاء الإيمان قليلي الإحسان، فرصة لهندسة حياتك وإعادة ترتيبها بطريقة تدربك على تغيير نمط حياتك وعباداتك إلى الأفضل، بل وحتى عاداتك الغذائية والصحية والنفسية فللصوم فوائد جمة ولهذا يهتم علماء الغرب بتقديم الدراسات عن آثار الصيام على صحة الإنسان البدنية والنفسية.
* إحساس عابر:
شهر رمضان فرصة لمقاطعة الشيطان ومخاصمة كل ما يدعو إلى المعاصي ولمد جسور المحبة والتواصل مع الآخرين وتصفية النفوس، شهر للاقتراب أكثر من القرآن وتدبر آياته الكريمة ومعانيه، كل عام وأنتم بخير وحفظ الله البحرين وأبعدها عن كل سوء وحصنها من أعدائها.