لم يكتف نظام الملالي في إيران بما يفعله بشعبه من اضطهاد وقمع للحريات وتنفيذ أحكام إعدام بحق الأقليات العرقية والدينية خاصة الطائفة السنية، وما يواجهه المواطن الإيراني الفقير من معاناة اقتصادية نتيجة العقوبات الدولية المفروضة بسبب المغامرات النووية لحكامه، وإحساسه باليأس نتيجة عدم ظهور أية فوائد من الاتفاق النووي الذي أبرمته طهران مع مجموعة «5 + 1» في يوليو 2015، حتى جاء القرار الأخير بمنع الإيرانيين من أداء فريضة الحج هذا العام، ليثبت تعنت النظام الإيراني وفشله في التوصل لاتفاق مع السعودية بشأن ترتيبات الحج ورفض الجانب الإيراني التوقيع على محضر التفاهمات الخاصة بالمناسك، ومن ثم يتخذ قراراً بمنع مواطنيه من أداء ركن من أركان الإسلام، وفريضة تتعلق بها قلوب المسلمين، فهل أخذته العزة بالإثم؟!
وقد كشف وزير الخارجية السعودي عادل الجبير أن «إيران رفضت التوقيع على التفاهمات السنوية التي توقعها الرياض مع 70 دولة لضمان أمن وسلامة حجاج بيت الله الحرام»، مشدداً على أن «مطالب إيران غير مقبولة والتي بينها حق إجراء شبه تظاهرات ما يتسبب بفوضى خلال فترة المناسك وهو أمر غير مقبول»، مؤكداً «رفض المملكة تسييس الحج».
وهذا ما دفع وزارة الحج والعمرة السعودية إلى «تحميل إيران المسؤولية»، مؤكدة أن «بعثة منظمة الحج والزيارة الإيرانية بامتناعها عن توقيع محضر إنهاء ترتيبات الحج تتحمل أمام الله ثم أمام شعبها مسؤولية عدم قدرة مواطنيها من أداء الحج لهذا العام، كما توضح رفض المملكة القاطع لتسييس شعيرة الحج أو المتاجرة بالدين».
وقد أبدت السعودية مرونة كبيرة من أجل التوصل لاتفاق مع إيران بشأن حجاجها، ومن بين تلك الإجراءات اقتراح الرياض توجه الحجاج الإيرانيين الى بلد ثالث للحصول على تأشيرات، إلا أن إيران رفضت ذلك الاقتراح، كما ذللت الرياض العقبات بشأن منح التأشيرات للحجاج من إيران، وليس من خارجها، عن طريق إصدار التأشيرات بشكل إلكتروني، من خلال الإنترنت، إضافة إلى موافقة الرياض على طلب طهران أن يتم نقل نصف حجاجها عبر ناقل إيراني، ويتم نقل النصف الآخر عبر الناقل الوطني السعودي، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل وافقت السعودية أيضاً على أن يكون لإيران تمثيل دبلوماسي في جدة، عن طريق سفارة سويسرا، للتعامل مع أي عقبات أو ظروف، ولرعاية مصالح الحجاج الإيرانيين. ورغم كل ما سبق رفض الوفد الإيراني التوقيع على مذكرة التفاهم، وغادر المملكة دون التوصل لاتفاق.
وتصر إيران سنوياً على تسييس الحج، وممارسة حجاجها لطقوس لا تدخل في إطار الشعائر المتعارف عليها، ومن بينها ما يعرف بـ «إقامة دعاء كميل ومراسم البراءة ونشرة زائر»، وهذه التجمعات تؤدي إلى تسييس الحج وتعيق حركة الحجيج.
وقد علق إبراهيم شمس الدين، وزير التنمية الإدارية في الحكومة اللبنانية، ونجل المرجع الشيعي اللبناني الشهير مهدي شمس الدين على ما تطلبه إيران بقوله إن ما يسمى ««مراسم إعلان البراءة» ليست واجباً دينياً، كما إن الحج لا يقوم به»، مضيفاً أن «الحج من العبادات الواجبة ومعلومة مناسكها التعبدية، ولا يوجد ما يذكر عن البراءة كما هو مصور اليوم»، مشيراً إلى أن «إعلان البراءة تعبير سياسي، ولا يمكن إعلان البراءة من الحاضرين اليوم في مناسك الحج وهم جميعاً مسلمون».
وأوضح نجل المرجع الشيعي أنه «كان يقصد بإعلان البراءة من الولايات المتحدة، فكيف ذلك وقد دخلت إيران معها باتفاق نووي أخيراً، وكيف تعلن البراءة من المشركين وتوقع معهم الاتفاقيات في الوقت ذاته»، مشدداً على «ضرورة عدم إقحام القضايا السياسية في مناسك الحج والعمرة».
ويتفق علماء ودعاة سنة وشيعة مع هذا الرأي بتأكيدهم أن «الإثم يقع على إيران في حال منعت مواطنيها من أداء الفريضة هذا العام»، مؤكدين أن «الدولة التي تخالف مذكرات التفاهم الخاصة بالحج تتحمل ذلك الوزر حتى وإن كانت دولة مسلمة».
وشددوا على «ضرورة أن تلتزم الدول بما تقره السعودية من إجراءات لأنها هي المسؤولة عن المشاعر المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة، ومن ثم فإن تلك الإجراءات ضوابط يضعها ولي الأمر «السعودية» للصالح العام، وهي شاملة لكافة حجاج بيت الله الحرام، ومن ثم على جميع الدول التعاون مع سلطات المملكة من أجل إنجاح تنظيم الفريضة سنوياً».
وذهب العلماء والدعاة إلى أن «استغلال الحج سياسيا ورفع شعارات طائفية ومذهبية مثل التي تطالب بها إيران أمر فيه إثم كبير لأنه يؤثر على وحدة المسلمين ويعيق الحجيج من أداء ركن من أركان الإسلام».
* وقفة:
ستبقى إيران في قبضة المتشددين والمتطرفين، خاصة بعد إعادة انتخاب على لاريجاني رئيساً لمجلس الشورى، رغم الفوز الكبير الذي حققه الإصلاحيون في انتخابات فبراير الماضي، وقبل ذلك فرضوا سيطرتهم على مجلس خبراء القيادة المكلف بتعيين المرشد ومراقبة عمله، مع انتخاب المتشدد أحمد جنتي رئيساً له، حيث يعد اختياره صفعة للأحزاب الإصلاحية التي أطلقت حملة ضده باءت بالفشل، وهذا ما دفع وسائل إعلام غربية إلى التأكيد على أن الاتفاق النووي مع القوى الكبرى لم يجلب أي اعتدال لإيران لا على المستوى الداخلي ولا الخارجي، بل إن مجلس الخبراء اختار الأشد تطرفاً ليرأسه والذي قد يصبح المرشد الأعلى للبلاد في المستقبل، وتلك طامة كبرى!!