أصبح الرئيس الأمريكي باراك أوباما - الذي ستنتهي ولايته قريباً - أول رئيس أمريكي يزور مدينة هيروشيما اليابانية بعد الكارثة الإنسانية الأشنع في تاريخ البشرية.
هذه الكارثة نعني بها إلقاء القوات الأمريكية القنبلة الذرية علي هيروشيما وناجازاكي اليابانيتين عام 1945 خلال الحرب العالمية الثانية، الأمر الذي أسفر عن مقتل الآلاف وإصابة أعداد أكثر منهم، وأعداد أكثر عانت لعقود جراء الإشعاعات النووية وما سببته من أمراض جسدية وعقلية.
ومثلما فعل جون كيري وزير الخارجية الأمريكي حينما تحدث عن القنابل الذرية الأمريكية الملقاة على اليابان، حيث لم يعتذر إطلاقاً، فعل أوباما الشيء نفسه.
لكن المقزز في الموقف الأمريكي بشأن أسلحة الدمار الشامل، بأن الدولة التي استخدمتها بالفعل لإبادة شعب دولة أخرى، هي اليوم الدولة التي تقول على لسان رئيسها ومسؤوليها بأن مهمتها «الحفاظ على العالم من الخطر النووي»، وذلك يتأتى – بحسب العرف الأمريكي - عبر «تفريغ» كافة الدول من الأسلحة النووية، باستثناء الولايات المتحدة طبعاً.
وبنفس السيناريو، حينما تتحدث الولايات المتحدة الأمريكية اليوم عن «محاربة الإرهاب»، وأن مهمتها «حفظ السلام العالمي»، فإن السطحي في أمور السياسة هو من سيصدق ما يقولونه، وما يصدرونه إعلامياً.
لفهم العقلية الأمريكية على مستوى السياسة، لابد من «تفكيك» المصطلحات التي يستخدمونها، وإعادتها إلى أصلها. ما أعنيه، بأن شعار «محاربة الإرهاب» يطلقه الأمريكان ليشركوا فيه العالم بأجمعه في المسؤولية، بينما في الحقيقة المقصود منه محاربة «كل ما يستهدف الأمريكان فقط»!
نعم، هذا هو الواقع، فهل سمعتم أن محاربة أمريكا للإرهاب شملت الفصائل الإرهابية الحقيقية التي تعيث في بلاد العرب شراً وفساداً؟! هل سمعتم أن الولايات المتحدة تقول إنها ستحارب «حزب الله» الإيراني بهدف إنهائه وتقديم قياداته للمحاكمة الدولية بسبب جرائم الحرب في سوريا؟! هل سمعتم أنها ستحارب الفصائل الإيرانية التي تقتل شعب الأحواز؟! أم الفصائل العراقية الإرهابية التي تقسم الكعكة العراقية لصالح إيران؟!
ما نسمعه أن الولايات المتحدة تحارب الإرهاب الذي «صنعته» هي بيدها، والتاريخ يشهد بذلك. فـ «طالبان» وحربها ضد السوفييت كان الدعم المطلق يأتيها من الأمريكان، وفي وقتها وصف الأفغان والطالبان بأنهم يدافعون عن حقوق، لكن هذا سرعان ما «انقلب» بإرادة أمريكية، فتحولت «طالبان» لجهة إرهابية، ومن أجل ذلك وصلت أمريكا لأعمق أعماق الجبال الأفغانية في حملة «احتلالية» ممنهجة، تحت مسمى محاربة الإرهاب.
حتى تنظيم «القاعدة» وزعيمه أسامة بن لادن، من كان يمنحهم كامل الدعم ومطلقه؟! الأمريكان أنفسهم، لكن كعادة البيت الأبيض، هو ينجح نجاحاً منقطع النظير في صناعة «المسوخ الفرانكشتانية»، فيحول الوحش الذي صنعه ودجنه ليحارب به الآخرين، إلى وحش يأكل صانعه، مثلما حصل في اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر.
حتى في موضوع «داعش»، هنا والله لابد من التوقف عند كلام الملياردير «المثير للجدل» دونالد ترامب، والذي قاله فيه صراحة بأن إدارة أوباما وهيلاري كلينتون ومن معهم هم من صنعوا «داعش». لن أقول «خذوا الحكمة من أفواه المجانين»، وترامب يعتبر مجنون سياسة، وإن حصل وأصبح يوماً رئيساً للولايات المتحدة فإننا سنحصل على نسخة أمريكية مشابهة لرئيس كوريا الشمالية المهووس، والمفارقة أن ترامب قال مؤخراً عن الرئيس الكوري الشمالي بأنه «مجنون يجب إيقافه»، لن أقول ذلك، بل أقول إن المنطق يفرض التساؤل القائم على معطيات التاريخ، والذي يتساءل هل الولايات المتحدة بقوتها العسكرية واستخباراتها المتقدمة عاجزة عن إنهاء «داعش»؟!
والله أقولها وبثقة، من لم يتوان عن إلقاء القنابل الذرية على اليابان، ومن دخل لأعمق أعماق أفغانستان، ووصل لأسامة بن لادن وصدام، ناهيكم عن حربهم في فيتنام، هل يعجز ويقف متفرجاً أمام فنون «داعش» في الإجرام؟!
إنهم الأمريكان يا عزيزي، الأمريكان. أفضل من يرسم سيناريوهات للعالم، ومن في عقولهم هوس السيطرة على شعوب العالم. العلاقة معهم لابد أن تكون قائمة على الحذر من الطعنات في الظهر.
ثورات «الخريف العربي» حصلت بشرارات بعضها قد يكون ارتجالياً من قبل أفراد لا ناقة لهم ولا جمل في السياسة العالمية، مثلما حصل مع التونسي البوعزيزي، لكن القفز داخل تلك البلدان، ومحاولة المسك بزمام الأمور، بل وتصنيع ما سمي بـ«قادة التغيير في الشرق الأوسط» ضمن برنامج الخارجية الأمريكية الذي يخدم فكرة كوندوليزا رايس المسماة بـ«الشرق الأوسط الجديد»، كلها مساعٍ أمريكية لوضع قيادات جديدة، أو بالأصح «عملاء» بدل قيادات، عملاء للأمريكان يد في صناعتهم والتحكم فيهم.
لذلك، ويضاف إليها كثير من الأمور عبر عقود التاريخ، لا يمكنني أن أتفاعل مع أي جملة أو شعار يصدر عن مسؤول أمريكي يتحدث فيه عن «محاربة الإرهاب» أو «تنظيف العالم من السلاح النووي»، لا يمكنني أن أتفاعل مع ذلك إلا بـ«الضحك»!
نعم، أضحك، فمن سيحارب الإرهاب هو نفسه من يصنع الإرهابيين وأصحاب الهوس الانقلابي، ومن سينظف العالم من السلاح النووي، هم من رموا قنبلتين ذريتين على شعب اليابان! والله هزلت.