يرى السواد الأعظم من المواطنين الخليجيين والمحللين السياسيين، فضلاً عن القادة، أن إيران باتت تشكل الخطر الأكبر والأول على أمن الخليج العربي، إذ استطاعت تكوين ذلك الشعور الجمعي في الأذهان الخليجية من خلال عدة أدوات مارست من خلالها سياستها الخارجية تجاه المنطقة، فإلى جانب اللعب على التباينات، فقد توزعت أدواتها للسياسة الخارجية ما بين الناعمة والصلبة، رغم ميلها الواضح للأولى، وهو ما يتوافق مع إمكانياتها بشكل أكبر، ورغم تفوق إيران على الخليج العربي في بعض الأسلحة والإمكانيات العسكرية، إلا أنه مازال ينقصها الكثير في هذا المجال بعدما دمرت الحرب العراقية الإيرانية الطرفين، وسحقت إمكانياتهما، حتى لم تعد إيران قادرة بما يكفي بعد تلك الحرب، على خوض حروب حقيقية مباشرة.
إن نزوع إيران لقواها الناعمة، أمر في غاية الأهمية، استثمرت من خلاله كل ما تملك من أدوات وسخرتها لصالح سياستها الخارجية تجاه الخليج العربي، ورغم أن وجهة النظر الخليجية لا تحترم المساعي الإيرانية في المنطقة ولا تعترف بها، ولكن من الإنصاف القول إن إيران اختارت أدواتها بعناية وجدارة ما مكنها من تحقيق بضع خطوات نحو الهدف على أقل تقدير، وأن مضي إيران نحو مزيد من استخدام تلك القوى، ما لم يواجه بمثله، سيكون أكثر تأثيراً في قادم الأيام من موجات الحزم والرعد المضادة لوحدهما، رغم أهميتها في مرحلة سابقة استعادت من خلالهما المنطقة هيبتها ونفوذها النسبي.
لطالما انهمكت إيران في تحقيق أطماعها عبر تاريخ طويل، وأعادت بقوتها الناعمة صياغة الديمغرافية السكانية في الخليج العربي، بفعل الهجرات الإيرانية المنظمة إلى المنطقة، وتعزيز نفوذ تلك الجماعات المهاجرة، من خلال تمويل مشاريعها التجارية وتمكينها اقتصادياً، إلى جانب العزف الصداح على أوتار الأيديولوجيا الإيرانية حتى أصبحت شريحة دينية كبيرة في المجتمع الخليجي من أتباعها، وتعتبرها مرجعاً شرعياً وفقهياً لها. يأتي هذا إلى جانب القوة الإعلامية التي لم تعد خافية على الإطلاق، وكثير منا أصبح يراقب فحيحها وما تبثه من سموم في عقول أتباعها من مواطني الخليج العربي والمقيمين فيه بصفة شبه دائمة. ناهيك عن اختراق إيران للمجال الاقتصادي الخليجي لاسيما في بعض الأسواق الهامة، وتكاد لا تخلو بلد خليجية من منتجات إيرانية أصبحت جزءاً من ثقافتنا الاستهلاكية، حتى أن موضوع المقاطعة لتلك المنتجات أصبح حديثاً غير جاد، يتداوله العامة بالمجالس بينما يحتسون الشاي بزعفران كردستان ودربينة أصفهان، ويتناولون المكسرات الخراسانية والأذربيجانية!!
* اختلاج النبض:
عندما نتتبع انعكاسات القوة الناعمة الإيرانية على الخليج العربي، وتأثيراتها على أبناء المنطقة، وحجم ما تشكله من خطر محدق، يصبح حري بنا الكف عن ندب حظنا خوفاً من استفحال تلك القوة السرطانية، ومواجهتها بقوة مثلها وتزيد عنها. فهل تدبر الخليجيون يوماً في أمورهم، وتفكروا جدياً فيما يملكونه من أدوات؟! ترى.. ما أدوات الخليج العربي الناعمة التي سيواجه بها المد الإيراني في قادم الأيام؟