أكثر من 10 آلاف مدني قتلوا أو أصيبوا في هجوم القوات العراقية والميليشيات الشيعية الموالية لها على مدينة الفلوجة السنية غرب العراق منذ إعلان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي انطلاق عملية استعادة المدينة من تنظيم الدولة «داعش»، وكأنه عدوان يعكس انتقام قوى الشر بذريعة محاربة الإرهاب من أجل تحقيق نصر وهمي زائف على حساب أرواح المدنيين الأبرياء من أطفال ونساء ومسنين وعجائز.
الفلوجة مدينة العزة والكرامة والمقاومة، التي مرغت أنف أمريكا عام 2004 خلال احتلالها للعراق، والتي أطلقت رصاص المقاومة على المحتل الغاشم، لم يقو عليها إلا بالفوسفور الأبيض، اليوم تداعى عليها إيران وأمريكا وقوات العبادي وميليشيات الحشد الشعبي الشيعية بذريعة السيطرة على المدينة وإخراج «داعش» منها.
لكن ما يحدث في الفلوجة «مدينة المساجد» - سميت بهذا الاسم لكثرة المساجد فيها - ما هو إلا حرب طائفية وإبادة جماعية، تدك فيها المدينة بقذائف الهاون والصواريخ، وكأن تحريرها من «داعش» لابد وأن يكون على دماء وجثث الأطفال والنساء والعجائز والمسنين!
كيف يمكن تفسير ظهور قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني، مجدداً في ساحات العمليات في العراق بعدما نشرت مجموعة «النجباء» التابعة لـ «الحشد الشعبي» والتي تدين بالولاء لإيران، صوراً له مع قيادات الحشد قالت إنها قرب مدينة الفلوجة؟! وما هي المبررات وراء زيارة مقر العمليات في الفلوجة عدد من السياسيين الشيعة، بينهم نوري المالكي وعمار الحكيم، بالإضافة إلى قيادات من «الحشد الشعبي»، بعد يوم من زيارة رئيس الوزراء حيدر العبادي إلى المقر لإعلان انطلاق العمليات؟!
كيف يمكن غض الطرف عن التهديدات التي أطلقها القيادي بميليشيا «الحشد الشعبي» وقائد ميليشيا «بدر» هادي العامري ضد سكان المدينة ومطالبته إياهم بمغادرتها؟!
هو يوجد جيش عراقي للسيطرة على الفلوجة بصورة تعيد فيها حكومة العبادي سلطتها وسيادتها على المدينة؟! أم أن الصراع الشيعي الشيعي وجد في الفلوجة ضالته للوحدة المزعومة للبيت الشيعي مؤقتاً، وبعد ذلك يجعل العراق يذهب بلا رجعة؟!
كيف تطلب حكومة العبادي من المدنيين في الفلوجة رفع أعلام أو رايات بيضاء فوق منازلهم للحيلولة دون استهداف القوات العراقية لهم خلال عمليات استعادة المدينة من «داعش»؟! هل بتلك الطريقة الساذجة يمكن لتنظيم مثل «داعش» أن يترك تلك العائلات تعيش في سلام أم أنه سيعتبرها عائلات غير ملتزمة بحكمه، ومن ثم سيسعى التنظيم للانتقام منها؟!
يبدو أن حكومة العبادي وميليشياته غير مكترثة بمصير عشرات آلاف المدنيين من أبناء الفلوجة الذين يدفعون ثمن الطائفية وكأنه يلقي بهم إلى التهلكة دون أدنى اعتبار!
العبادي، الذي أعلن على مواقع التواصل الاجتماعي «انطلاق عملية الفلوجة»، وصرح قائلاً «دقت ساعة التحرير واقتربت لحظة الانتصار الكبير وليس أمام «داعش» إلا الفرار، اليوم سنمزق رايات الغرباء السود الذين اختطفوا المدينة والعلم العراقي سيرفع ويرفرف عالياً فوق أراضي الفلوجة»، ظهر بعد ساعات من تصريحاته مرتدياً زياً عسكرياً للقوات الخاصة أثناء تفقده مقر قيادة العمليات في معركة الفلوجة، وكأنه يرى في العملية متنفساً وهدنة مؤقتة للأزمة السياسية العاصفة التي يمر بها من خلال تحويل انتباه المتظاهرين المطالبين بالقضاء على الفساد والقيام بإصلاحات سياسية، فهو يقدم نفسه كقائد عام للقوات المسلحة يقاتل الإرهاب في مقابل صورته كرئيس للوزراء بمواجهة محتجين غاضبين اقتحموا مكتبه وبصقوا فيه قبل أيام، وواجهتهم قوات الأمن بالرصاص الحي وقتلت منهم 4 وأصابت العشرات. ومن ثم فهو يغطي على فشله السياسي وانهيار هيبة الدولة ودخول محتجين للبرلمان ومكتبه، من خلال تلك المعركة التي هيهات أن تمنحه فرصة تلقائية للظهور بصورة أقوى، في مواجهة ضغوط المتظاهرين وخصومه السياسيين الشيعة الذين يتربصون به، وعلى رأسهم رئيس الوزراء السابق نوري المالكي.
الفلوجة التي تحاصرها القوات العراقية منذ يناير 2014 عندما كانت أول مدينة تسقط في يد «داعش»، يواجه فيها نحو 100 ألف مدني - الطرف الغائب في المشهد في ظل الحديث عن خندقين في المعركة - خطراً شديداً ويعانون معاناة هائلة، خاصة مع احتمال استخدامهم دروعا بشرية، سواء ببقائهم في بيوتهم وهم تحت نار قصف المعارك دون حصولهم على إمدادات الغذاء والمياه والرعاية الصحية، أو من خلال النزوح في درجات حرارة مرتفعة ومن ثم إصابتهم بالجفاف أو استهدافهم بضربات جوية أو برية لاسيما مع عدم توفير الحكومة ممرات آمنة لهم من أجل الفرار من جحيم الحرب.
وقد كانت الفلوجة المطلة على نهر الفرات موطناً لنحو 300 ألف شخص قبل الحرب الحالية، حيث تعد هي ومدينة الموصل ثاني اكبر مدن العراق، آخر المدن الرئيسة التي مازالت تحت سيطرة التنظيم المتطرف.
* وقفة:
قوات العبادي تعتقد أنها باستخدام القوة النارية الجوية والبرية بشكل مكثف تستطيع السيطرة على الفلوجة وإخراج «داعش» منها، لكن ذلك سيكون على حساب تصفية آلاف المدنيين السنة وتدمير المدينة وتحويلها إلى خراب، مثلما حدث في الرمادي كبرى مدن محافظة الأنبار، والتي استعادت السيطرة عليها مطلع العام الحالي من «داعش»، بعدما حولتها إلى ركام!!