لم تمض ساعات على تصريحات القيادة المصرية التي اعتبرت فيها أن «حل القضية الفلسطينية سيجعل اتفاق السلام بين مصر وإسرائيل أكثر دفئاً»، معربة عن «استعدادها للتوسط بين الفلسطينيين والإسرائيليين لتفعيل «حل الدولتين»»، حتى جاء الرد الصادم من رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو بسعيه توسيع ائتلافه الحكومي الهش والذي سيصبح الأكثر يمينية وتطرفاً في تاريخ الكيان الصهيوني، بعودة المتطرف وزير الخارجية السابق ووزير الدفاع القادم ورئيس «حزب إسرائيل بيتنا» اليميني المتشدد أفيغدور ليبرمان إلى الساحة السياسية مرة أخرى، بعدما فجر وزير الدفاع الإسرائيلي موشي يعالون قنبلة بإعلان خروجه من حكومة نتنياهو ومن العمل السياسي، معرباً عن قلة ثقته في الأخير، وذلك على خلفية التوتر حول «العودة المحتملة لمسؤول من اليمين المتطرف إلى الحكومة»، متحدثاً عن «عناصر متطرفة وخطيرة أصبحت تسيطر على البلاد»، في إشارة إلى ليبرمان، تلك الشخصية المكروهة من الفلسطينيين والعرب والأوروبيين.
وفسر مراقبون قرار نتنياهو اقتراح حقيبة الدفاع على ليبرمان بأنه مناورة تهدف إلى معاقبة يعالون واستبعاد منافس محتمل في حزب «الليكود». وكانت الخلافات قد بلغت أشدها بين الطرفين حول موضوعات مختلفة، خاصة ما يتعلق بحرية الضباط الإسرائيليين الكبار في التعبير عن رأيهم. وتبدو تصريحات يعالون كأنها إعلان ضمني للانشقاق عن «الليكود» تحت زعامة نتنياهو، خاصة بعد رفضه عرض الأخير بشغل حقيبة الخارجية.
وإثر التصريحات التي خرجت من القاهرة والتي حظيت بإشادة المجتمع الدولي، بدأ نتنياهو إجراء مشاوراته لتوسيع ائتلافه الحكومي، وقد حاول أن يناور بالضغط على ليبرمان للانضمام إلى ائتلافه عن طريق إعلانه أنه يملك في الطرف المناقض خياراً آخر يتمثل في التوصل الى اتفاق مع «حزب العمل» اليساري برئاسة إسحاق هرتزوغ، وهو الأمر الذي رفضه الأخير، وطالب أن يكون الطرف الوحيد في المداولات التي يجريها رئيس الحكومة، حيث عارض إجراء نتنياهو مفاوضات في ذات الوقت مع ليبرمان، محذراً رئيس الحكومة من اتخاذ «قرار تاريخي بين الحرب والجنازات» مع ليبرمان وحزب البيت اليهودي المتطرف، الموجود حالياً في الائتلاف الحكومي. لكن هرتزوغ لم يكن يدرك أنه كان مجرد وسيلة ضغط على حزب «إسرائيل بيتنا» من اجل الانضمام إلى الحكومة اليمينية والتي ستكون الأشد تطرفاً وتشدداً على الإطلاق في تاريخ الكيان الصهيوني. وفسر محللون تصريحات القاهرة على أنها محاولة لإعطاء زخم لدخول حزب «العمل» إلى الحكومة، من أجل تشجيع قيام «حل الدولتين»، لكن المباحثات فشلت، الأمر الذي دفع وسائل الإعلام في إسرائيل إلى شن هجوم عنيف على نتنياهو واتهمته بأنه «يعمل لمصلحته الشخصية، وبدلاً من أن يقدم للعالم حكومة معتدلة تواجه التحديات الخارجية، فإنه مصر على أن يشكل الحكومة الأكثر تطرفاً على الإطلاق». ورأى الإعلام الإسرائيلي أن «تل أبيب تتحضر لحصار دبلوماسي عبر تأسيس أكثر حكومة يمينية وتطرفاً» منذ إقامة الكيان الصهيوني، خاصة أن ليبرمان ليست لديه خبرة عسكرية. وقد أثارت عودته المثيرة للجدل إلى الساحة السياسية مرة أخرى التساؤلات وقلق المجتمع الدولي فيما يتعلق بسياسة حكومة نتنياهو خاصة حول «حل الدولتين»، بإقامة دولة فلسطينية تعيش جنباً إلى جنب مع دولة إسرائيلية، والتي بلاشك ستنعى في حال أصبح ليبرمان وزيراً للدفاع، حيث سيعمل على تضييق الخناق على السلطة الفلسطينية وضم المنطقة «ج» في الضفة الغربية المحتلة لإسرائيل. وقد أعلنت القاهرة صدمتها في قرار تولي ليبرمان حقيبة الدفاع، ونددت القيادة الفلسطينية بعودته.
وقد تلطخت صورته بسبب فضائح الفساد التي أجبرته على استقالته من منصبه. ولا يتوانى ليبرمان عن إطلاق تصريحات صادمة معادية للفلسطينيين والعرب والمسلمين ودول الجوار، حيث تترك أصداءً صاخبة وتثير الجدل. ومن ابرز تصريحاته التي أثارت الجدل أن ««عرب 48» غير الموالين لإسرائيل يستحقون قطع الرأس بالفأس»، و«رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس إرهابي دبلوماسي»، وبالنسبة لقطاع غزة، فقد تفاوتت مواقفه بين «الدعوة إلى الإطاحة بـ «حماس» بواسطة القوة، وإعادة احتلال القطاع». وفي عام 2008 دعا ليبرمان إلى «قصف السد العالي في أسوان لإغراق مصر إذا قدمت دعماً للانتفاضة»، وقال عن الرئيس المصري السابق حسني مبارك «فليذهب إلى الجحيم»، بسبب رفضه زيارة إسرائيل، كما وصف نتنياهو بأنه «كاذب ومخادع ووغد». ويعد ليبرمان من مؤيدي فكرة تبادل الأراضي بسكانها مع الفلسطينيين، ومنصب وزير الدفاع الذي سيشغله يخول له أن يصبح مسؤولاً عن أنشطة جيش الاحتلال في الأراضي المحتلة، خاصة الشؤون المدنية في الضفة التي تشهد احتكاكاً مباشراً وتضييقاً من المستوطنين على الفلسطينيين. ويشترط ليبرمان للمشاركة في الحكومة إقرار عقوبة الإعدام لمنفذي هجمات المقاومة على الإسرائيليين، وهو من أنصار الاغتيالات والإطاحة بحركة «حماس» في غزة.
ويحمل قرار نتنياهو عدة رسائل للقاهرة ولواشنطن وأخيراً باريس، فهو بمثابة إعلان رفض لمبادرة المؤتمر الدولي الذي تسعى الأخيرة لتنظيمه لإعادة إحياء عملية السلام. وشكك نتنياهو في حياد فرنسا إثر تأييد باريس مؤخراً قراراً لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم «اليونيسكو»، والذي أدانت فيه بشدة الاعتداءات الإسرائيلية والتدابير غير القانونية التي تتخذها تل أبيب والتي تحد من حرية العبادة التي يتمتع بها المسلمون ومن إمكانية وصولهم إلى المسجد الأقصى المبارك والحرم القدسي الشريف.
* وقفة:
«حل الدولتين» في مهب الريح مع تولي المتطرف ليبرمان حقيبة الدفاع وقيادة اليمين المتشدد حكومة الكيان الصهيوني.. فماذا سيفعل العرب؟!