كالعادة، حين تثار بعض القضايا الجدلية في المجتمع، يبدأ كل أفراده في مناقشتها ومعرفة رأي الدين فيها أولاً وأخيراً، وهل هي صالحة للاستخدام المحلي أم أنها لا تناسب مجتمعاتنا المتدينة؟ لعل من أبرز القضايا التي تصب في هذا الاتجاه، هي اتفاقية «سيداو» والتي أثارت موجة من الانتقادات حول مدى تطابقها مع تعاليم الدين من عدمه، وبطبيعة الحال أثارت القضية جدلاً واسعاً في المجتمع بين معارض لها ومؤيد، إلى أن انتهت مدة الخصومة في هذا الملف وانتهى كل شيء.
إن رغبة الدولة وكذلك الكثير من مؤسسات المجتمع المدني في تبني اتفاقية «سيداو» ليس فقط لأنها باتت اتفاقية دولية تعمل بها غالبية دول العالم، وليس لأنها الاتفاقية الأفضل والأكمل، لكنها جاءت لتسد فراغات تشريعية لم تلتزم بها الكثير من محاكمنا الشرعية خصوصاً، وعلى وجه التحديد المحاكم الجعفرية.
مازالت مئات القضايا المعلقة في المحاكم الشرعية دون أن تجد للنور طريقاً، فبعض النساء المعلقات بين السماء والأرض ينتظرن أن تحكم لهن المحاكم الشرعية أحكاماً نهائية للانطلاق نحو حياة جديدة، لكن وللأسف الشديد مازالت أمامهن الكثير من العقبات الشنيعة ليتحررن من أزواج لا يقدسون الحياة الزوجية ولا يقدرون المرأة عموماً، ومن هنا ولهذا السبب ربما نجد الدولة ميالة إلى تبني تشريعات تحفظ لهن الحقوق ولو استوردتها من الخارج، ليس لضعف الشريعة ولكن لعدم قبول المشرعة أن يخلقوا قانوناً شرعياً ومحاكم نشطة تعمل لأجل تخليص القضايا التي تجاوزت مدد نومها في المحاكم الشرعية عدة أعوام دون أن ترى النور.
أمَّا أنكم ترفضون تحرير القضايا المعلقة من أدراج المحاكم الشرعية كما ترفضون إنصاف المرأة فهذا غير مفهوم وغير مبرر، كما إن هذا الأمر يتنافى أصلاً مع الدين ومع كل القيم الأخلاقية، لكن الكثيرين يغضون الطرف عن هذه القيم إذا كانت تتعلق بقضايا المرأة كما يتزمتون دينياً إذا أرادت الحصول على حقوقها الشرعية تحت غطاء القوانين التي يصفونها بالكافرة!
المرأة المعنفة والمظلومة داخل الأسرة لا تريد سوى حقوقها، سواء جاءت تلكم الحقوق تحت راية الدين أو تحت راية غير الدين، لكن أن يرفض بعضهم تطوير الأدوات التشريعية ومعها الكثير من المواد التي تحتاج لإعادة صياغة بطريقة تناسب واقع المجتمع البحريني والمدفونة في المحاكم الشرعية، فهذا غير مقبول على الإطلاق. هؤلاء إذاً لا يريدون أن يعالجوا القضايا العالقة في المحاكم كما إنهم لا يريدون أن يتقبلوا بعض القوانين التي تنصفها بحجة أنها من «الكفريات».
إذا رفضتم اتفاقية «سيداو» يكون لزاماً عليكم أن تؤسسوا لقانون الأحوال الشخصية أو أن تتجهوا لحلحة آلاف القضايا المعلقة في محاكمنا، لكن أن ترفضوا «سيداو» وفي نفس الوقت لا تريدون تطبيق الشريعة الملتزمة فإنكم إذاً ترفضون الحل، وسنعلم حينها أن المسألة هي مسألة «عناد» لا أكثر ولا أقل، حتى وإن كنتم تحملون شعار»إلا الشريعة».