لم يكن يدور في خلد قادة «حزب الله» اللبناني وهم يقررون المشاركة في الحرب السورية دعماً لنظام الرئيس بشار الأسد أن الحزب سيتكبد تلك الخسائر الفادحة منذ عام 2012، وحتى الآن، وربما لم يكن أكثر المتشائمين داخل الحزب يتوقع أن يتجرع أنصاره آلام أيام سوداء في سوريا، خاصة مع مقتل أكثر من 1200 قيادي عسكري بارز ومقاتل من الحزب في معارك سوريا، لعل أبرزهم على الإطلاق مقتل القائد العسكري والرجل الثالث في التنظيم مصطفى بدر الدين، الذي لقي حتفه قبل أيام، حيث تعد تصفيته أكبر ضربة للحزب منذ اغتيال سلفه القائد العسكري البارز في الحزب عماد مغنية في دمشق عام 2008.
ويضطلع الحزب بدور حاسم إلى جانب قوات الأسد في النزاع الدائر في سوريا، وأرسل آلاف المقاتلين، قال خبراء إنهم بين 5 إلى 8 آلاف منذ عام 2013 لمساعدة النظام السوري في مواجهة الفصائل المقاتلة.
ويواصل الحزب عملية النزيف المستمرة لقياداته وعناصره، متجرعاً الحصاد المر، حيث يتلقى الضربات والصفعات تلو الأخرى، بعدما تناسى دوره في المقاومة، وحجب أنظاره عن الكيان المحتل، وما يفعله بلبنان وبالأراضي المحتلة، وولى وجهه شطر سوريا ونظامها، ليتلقى الخسائر المروعة التي اعتبرها مراقبون ومحللون أكثر مما نزف وخسر طوال صراعه مع الاحتلال الإسرائيلي، وإذا كان الحزب قد خسر خلال الفترة بين عامي 1982 و2000 في معاركه مع إسرائيل 1276 مقاتلاً، وفق إحصائياته الرسمية، فإن مراكز توثيق سورية أحصت مقتل أكثر من 1200 قتيل حتى نهاية 2013 فقط في معاركه في سوريا.
وخاض «حزب الله» عشرات المعارك بسوريا خسر فيها مئات من المقاتلين والعناصر، بينهم قادة عسكريون بارزون، لم يخسر مثلهم طوال صراعه مع إسرائيل، أبرزهم، مصطفى بدر الدين، وعلي فياض، وسمير القنطار، وحسن حسين الحاج، وحسن علي جفال، وغسان فقيه، وفادي الجزار، وعلي خليل عليان، ومحمد أحمد عيسى، وجهاد مغنية، وفوزي أيوب. والسؤال الذي يطرح نفسه، لماذا تتم تصفية قادة «حزب الله» في سوريا تحديداً وليس في لبنان أو في الأراضي المحتلة؟!
ولعل الغريب في الأمر تنبأ موقع «جنوبية» الشيعي اللبناني المعارض لسياسات ميليشيات الحزب في المنطقة بعزم الحزب على تصفية قائده العسكري.
وفي مادة صحافية تحليلية، نشرها الموقع بتاريخ 22 مارس 2015، أي قبل أكثر من عام، تناول إمكانية أن يكون نظام الأسد قد أقدم على تصفية رجل المخابرات السوري البارز رستم غزالة، والذي كان يعرف بكونه «حاكم لبنان الفعلي» طوال فترة الوجود السوري في لبنان حتى خروجه بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1559، عام 2005، ضمن ما يعرف بـ «خلية الأزمة» التي اغتيلت بتفجير غامض وسط دمشق في يونيو 2012.
ورأى الموقع أن «خبر التخلص من رستم غزالي قد فتح باب السؤال واسعاً عند الكثير من المراقبين ومن المتابعين لأعمال المحكمة الدولية الخاصة بقضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري والتقدم الذي تحققه في مسار أعمالها عن الشخصية الجديدة التي سيعمد النظام إلى التخلص منها وشطبها من لائحة الأسماء غير المرغوب ببقائها في المرحلة القادمة، وهنا يبرز بشكل كبير اسم المتهم الرئيس مصطفى بدر الدين القيادي الأبرز في «حزب الله».
وفسر الموقع ذلك على نحو أنه «إذا صح ما يقال عن دور طليعي لبدر الدين بقيادة الكثير من المعارك الميدانية في الداخل السوري وبالتالي تواجده على الأراضي السورية، وما حكي عن استهدافه المباشر بعملية القصف التي استهدفت الموكب القيادي في القنيطرة، وهي العملية التي أفضت إلى مقتل جهاد عماد مغنية و5 من مرافقيه في يناير 2015 فإن الكثير من الهمس حد الصراخ يسمع الآن في الصالونات وخلف الجدران عن سؤالين طفوا إلى السطح أكثر من أي وقت مضى يصبان في نفس الاتجاه، الأول، متى سينعي «حزب الله» مصطفى بدر الدين؟ ويأتي السؤال الثاني مخففاً، بعد رستم غزالي ماذا عن مصطفى بدر الدين؟».
ووفقاً للقرار الاتهامي للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان، فإن بدر الدين أحد أبرز المتورطين في التخطيط والإشراف على عملية اغتيال رفيق الحريري، بالإضافة إلى اعتباره المخطط الرئيس للعملية، وهو أحد 5 من أعضاء الحزب اتهمتهم المحكمة بقتل الحريري في فبراير 2005.
وما يعزز تلك الفرضية أن ثمة معلومات من مصادر إيرانية شبه رسمية، نقلتها وسائل إعلام إيرانية، أن بدر الدين كان في جنوب حلب قبل يومين من إعلان مقتله، والتقى قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني، ولم يكن اللقاء ودياً بل عاصفاً، كما إن هناك معلومات تؤكد مقتله الثلاثاء الماضي وليس ليل الجمعة الماضي كما أعلن «حزب الله».
وقال الحزب إن «قائده العسكري قتل في قصف مدفعي لجماعات تكفيرية قرب مطار دمشق بسوريا»، في اتهام نادر يوجهه الى هذه المجموعات باغتيال مسؤول بهذه الأهمية، وهو ما جرى التشكيك فيه على نطاق واسع. ولاشك في أن خبر تصفية بدر الدين نزل كالصاعقة على الحزب وقادته وأنصاره، ما أدى إلى حالة من التخبط لدى الذراع الإعلامية للحزب في إعلان نهايته، حيث اتهم احد قادة الحزب إسرائيل بتصفية بدر الدين قبل أن تعلن صحيفة «الأخبار» اللبنانية المقربة من التنظيم أن بدر الدين قتل بصاروخ موجه شديد التطور، وأن الصاروخ يعمل «وفق آلية تجعل منه أقرب إلى القنبلة الفراغية»، مستندة في تقريرها إلى أن «بدر الدين لم تبد عليه إصابات تنتج عن انفجار، بل مجرد نزيف في الأنف والعينين»، في تخبط وتناقض جلي لرواية تتعارض مع بيان الحزب. وهذا ما دعا المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى التشكيك في الرواية وقال إنه «لم يحدث قصف من جماعات مسلحة في المنطقة»، خاصة وأن مطار دمشق والمناطق المحيطة به تحت سيطرة حكومة الأسد والقوات المتحالفة معها. المعارضة السورية من جانبها، شككت أيضاً في اتهامات الحزب، ورأت أن «روسيا تراقب الأجواء السورية وتستطيع بدقة تحديد طريقة مقتله إن كانت صحيحة».
* وقفة:
صحيفة محلية تجاهلت نشر خبر مقتل القيادي العسكري الأبرز على الإطلاق في «حزب الله» مصطفى بدر الدين، والذي تصدرت تصفيته الصفحات الأولى والداخلية في كافة الصحف المحلية والعربية والدولية، ورأت من وجهة نظرها أن مقتل جنود أتراك في عمليات ضد حزب العمال الكردستاني أهم من متابعة خبر بدر الدين، بل تحرص على إبراز أي تفجير في تركيا ليستحوذ على مساحات واسعة في صفحاتها الأولى.. هل هذا يصنف في إطار السقطة المهنية الصحافية؟! سؤال برئ، ليس خبيثاً أو شريراً!!